التجارة عظيم الصدقة وربما كان نفد ماله في الصدقة ثم يعود يكتسب مثله ولولا الصدقة لكان الفقر أحب إليه من الغنى وكان يخاف بالشام أن يفتتن عن دينه فقصد الموصل ومعه هدية لملكها لئلا يجعل لأحد عليه سبيلا فجاءه وحين قد جاءه أحضر عظماء قومه وأوقد نارا وأعد أصنافا من العذاب وأمر بصنم له يقال له (افلون) فنصب فمن لم يسجد له عذبه وألقي في النار.
فلما رأى جرجيس ما يصنع استعظمه وحدث نفسه بجهاده فعمد إلى المال الذي معه فقسمه في أهل ملته وأقبل عليه وهو شديد الغضب فقال له اعلم أنك عبد مملوك لا تملك لنفسك شيئا ولا لغيرك شيئا وإن فوقك ربا هو الذي خلقك ورزقك فأخذ في ذكر عظمة الله تعالى وعيب صنمه فأجابه الملك بأن يسأل من هو ومن أين هو فقال جرجيس أنا عبد الله وابن أمته من التراب خلقت وإليه أعود. فدعاه الملك إلى عبادة صنمه وقال له لو كان ربك ملك الملوك لرؤي عليك أثره كما ترى على من حولي من ملوك قومي فأجابه جرجيس بتعظيم أمر الله وتمجيده وقال له تعبد افلون الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى من رب العالمين أم تعبد الذي قامت بأمره السماوات والأرض أم تعبد طرقلينا عظيم قومك من الناس عليه السلام فإنه كان آدميا يأكل ويشرب فأكرمه الله بأن جعله إنسيا ملكيا،