من ورائه أقول، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك أن الخمر تباع جهارا، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في الملك، فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت عليهم خزائنك، فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه، ثم يسئ إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل فقير، فأخذته نخوة، وصرفه، وسأله الدعاء (1).
وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودي، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بتينمل (2) فهي يوم عنا، وهو أحصن الأماكن، فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه ما في نفسه، فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم (3) وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من