كتاب المجروحين - ابن حبان - ج ٣ - الصفحة ٦١
سمعت الثقفي قال: سمعت أبا قدامة قال: سمعت عبد الرحمن يقول: كان أبو معشر المدني تعرف منه وتنكر وكان لا يألو إن شاء الله وكان عبد الله بن عمر العمرى أحب إلى منه.
سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي معشر المدني فقال: اسمه نحيح ضعيف.
نائل بن بحيح (1): شيخ يروى عن الثوري المقلوبات وعن غيره من الثقات الملزقات، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد.
روى عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
" تسحروا فإن السحور بركة ": وهذا صحيح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس من حديث ابن المنكدر ولا حديث جابر (2).
النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي (3): صاحب الرأي، يروى عن عطاء

(1) الميزان 244 / 4 التاريخ الكبير 138 / 8.
(2) الحديث رواه أحمد والبيهقي في السنن والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث أنس، ورواه النسائي من حديث أبي هريرة ورواه أحمد عن ابن مسعود عن أبي سعيد. ورمز له السيوطي بالصحة.
الجامع الصغير 243 / 3 (3) النعمان بن ثابت: أبو حنيفة إمام أهل الرأي، أطال المصنف في النيل منه وتضعيفه، حتى خرج عن حد الاعتدال إلى التعصب، وابن حبان مع تشدده في الحكم على الرجال إلا أن مذهبه هذا لا يصل به إلى إيراد مثل أبي حنيفة في هذا الكتاب فضلا عن تصعيد الاخبار في تجريح إمام من خيرة مفكري الاسلام، حتى إنه لم يدع وسيلة من وسائل التجريح حتى لجأ إليها، وقبل في ذلك أخبار رجال لا يوثق باخبارهم حسب مذهبه وطرح أخبار الموثقين من الأئمة وقبل أخبار المجروحين من المتعصبين.
وهو لم يكتف بما أورده في ثنايا كتبه حملة على الامام الأعظم بل إنه صنف كتابين من أكبر كتبه في التهجم على أبي حنيفة وهما: " كتاب علل مناقب أبي حنيفة، ومثالبه " عشرة أجزاء " وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة " عشرة أجزاء.
وليس ابن حبان أول محدث حمل على أبي حنيفة هذه الحملة ولكن الأئمة العدول من المحدثين الذين خبروا الامام قد أنصفوه ولم يسلموه لأقوال المتحاملين يقول الامام اللكنوي الهندي بعد أن ذكر فرح الدارقطني في أبي حنيفة وقوله: إنه ضعيف في الحديث:
" فتارة يقولون إنه كان مشتغلا بالفقه. " انظر بالانصاف أي قبح فيما قالوا؟ بل الفقيه أولى بأن يؤخذ الحديث منه.
وتارة يقولون: إنه لم يلاق أئمة الحديث، إنما أخذ ما أخذ من حماد. وهذا باطل، فإنه روى عن كثير من الأئمة كالإمام محمد الباقر والأعمش وغيرهما. مع أن حمادا كان وعاء للعلم فالأخذ منه أغناه عن الاخذ عن غيره. وهذا أيضا آية على ورعه وكمال تقواه، فإنه لم يكثر الأساتذة لئلا تتكثر الحقوق فيخاف عجزه عن إبقائها.
وتارة يقولون: إنه من أصحاب القيس والرأي، وكان لا يمل بالحديث، حتى وضع أبو بكر بن أبي شيبة في كتابه " المصنف " بابا للرد عليه، ترجمته " باب الرد على أبي حنيفة ". وهذا أيضا من التعصب كيف وقد قبل المراسيل، وقال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبالرأس والعين، وما جاء عن أصحابه فلا أتركه، ولم يخصص بالقياس عام خبر الواحد، فضلا عن عام الكتاب، ولم يعمل بالاخالة والمصالح المرسلة ". إلى آخر ما قاله في ذلك.
ويقول ابن القيم في أعلام الموقعين " 77 / 1 ": " وأصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بنى مذهبه " وضرب لذلك أمثله من فروع المذهب.
وقد واجه أبو حنيفة حملة من علماء عصره لا تقل عما ثارت عليه بعد مماته حتى إن كثيرا من فضلاء الأئمة جازت عليهم هذه الحملة، وكادوا يقعون في الرجل من غير اختبار.
قال الأوزاعي لابن المبارك: من هذا المبتدع الذي خرج بالكوفة يكنى أبا حنيفة، فأراه مسائل عويصة من مسائله، فلما رآها منسوبة للنعمان بن ثابت قال: من هذا؟ قال: شيخ من العراق. قال: هذا نبيل من المشايخ اذهب فاستزد منه. قال: قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه. ثم لما اجتمع بابي حنيفة بمكة جاراه في تلك المسائل، فكشفها أبو حنيفة له بأكثر مما كتبها ابن المبارك عنه. فلما افترقا. قال الأوزاعي لابن المبارك: غبطت الرجل بكثرة علمه ووقور عقله، وأستغفر الله تعالى، لقد كنت في غلط ظاهر، ألزم الرجل فإنه بخلاف ما بلغني عنه ".
وقد رأى أبو حنيفة أنس بن مالك غير مرة لما قدم عليهم بالكوفة، وحدث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز وعدي بن ثابت وسلمه بن كهبل وأبى جعفر محمد بن علي وقتادة وعمر بن دينار وأبى إسحاق. وحماد وعاصم بن أبي النود والزهري وخلق.
قال ابن معين: كان ثقة لا يحدث من الحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظ. وقال ابن المبارك:
أفقه الناس، ما رأيت أفقه منه وقال: كان آية. فقيل: في الخير أو في الشر؟ فقال: اسكت يا هذا يقال:
غاية في الشر وآية في الخير. وقال مكي ابن إبراهيم: كان أعلم أهل زمانه، وما رأيت في الكوفيين أورع منه وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، وسئل يزيد بن هارون: أيما أفقه أبو حنيفة أو سفيان؟ قال: سفيان أحفظ للحديث وأبو حنيفة أفقه. وقال يحيى القطان: لا نكذب الله ما سمعنا أحسن من رأى أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله.
وقد أكره أبو حنيفة على العمل والقضاء. فأبى وحبس وجلد.
ضعفه النسائي من جهة حفظه وابن عدي وآخرون وقال البخاري: سكتوا عنه وعن رأيه وعن حديثه وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه واستوفى كلام معدليه ومضعفيه.
معجم البلدان 417 / 1 الرفع والتكميل في الجرح والتعديل 19 الميزان 265 / 4 التذكرة 160 / 1 طبقات الحفاظ للسيوطي 73 الامام الأعظم أبو حنيفة المتكلم لعناية الله إبلاغ 20 التاريخ الكبير 81 / 8.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست