والأفاضل الذين كانوا في خدمة الوزير، فغلب في المباحثة عليهم.
ثم فوض إليه تدريس نظامية بغداد في سنة أربع وثمانين بعد المآت الرابعة، فصار مرجعا لأهل العراق فيتحابنوه، وقد وقف هناك عشر سنين، ثم عاد إلى وطنه فاشتغل بحاله واختار العزلة عن الخلق، وصنف كتبا جيدة، من جملتها احياء العلوم وغيره.
ثم ارتحل إلى نيشابور واشتغل بالتدريس في النظامية، فتركه بعد مدة وارتجع إلى الوطن ثانيا وبنى الخانقاه للطائفة الصوفية والمدرسة للطلبة، ووظف أوقاته على الخيرات والمبرات، من ختم القرآن وصحبة أرباب القلوب وتدريس العلوم.
وفي خلال هذه الأحوال قد خطأ وجهل أبا حنيفة، وقد أفتى تابعوه في زمان السلطان محمود على قتله، فلم يظفروا به إلى صباح يوم الرابع عشر شهر جمادي الآخر سنة خمسين وخمسمائة فتوفى.
وقد أتوا في التواريخ أن مؤيد الملك الوزير في أيام عزلة الإمام محمد الغزالي استدعى منه اللقاء والوصول إلى حضرته لأجل التدريس في بغداد، فكتب في الجواب الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين، أما بعد فقال بعد الثناء عليه:
أيها الخواجة يجب علي دعوتك من حضيض المراتب البشرية إلى أوج مدارج الملكوتية، أيها العزيز الطريق إلى الله من الطوس وبغداد سيان، وأما بين حضيض الحيوانية إلى أوج الانسانية فالمسافة خطيرة والتماس الحضور عندك، فهذا يوم الفراقة وليس وقت السفر إلى العراق. أيها العزيز فافرض أني وصلت إلى بغداد، فعقبه رقم الاجل من جانب رب العزة، فلابد لك من فكر مدرس، فافترض اليوم هو اليوم، فخل يدك عن الفقير، والسلام على من اتبع الهدى.
وفي السير أيضا أنه في مبادي الحال بواسطة مصاحبة رؤساء أهل الضلال كان غريبا عن نور الهداية، ثم تبصر فصار مؤمنا مواليا بل من الشيعة. وقد اندرج السائل الهمداني في بعض رسائله، فقال: ان مشايخ الشيعة يقولون: الغزالي منا. ولعل