واستاد البشر والعقل الحادي عشر، سيد المحققين الشريف الجرجاني على جلالة قدره في أوائل فن علم البيان من شرح المفتاح، قد نقل بعض تحقيقاته الأنيقة وتدقيقاته الرشيقة. عبر عنه بعض مشايخنا ناظما نفسه في سلك تلامذته، ومفتخر الانخراط في سلك المستفيدين من حضرته المقتبسين من مشكاة فطرته.
والسيد السند الفيلسوف الأوحد مير صدر الدين محمد الشيرازي أكثر النقل عنه في حاشية شرح التجريد، سيما في مباحث الجواهر والاعراض، والتقط فرائد التحقيقات التي أبدعها عطر الله مرقده في كتاب المعراج السماوي وغيره من مؤلفاته، لم تسمع بمثلها الاعصار ما دار الفلك الدوار.
وفي الحقيقة من اطلع على شرح نهج البلاغة الذي صنفه للصاحب خواجة عطاء ملك الجويني وهو عدة مجلدات، شهد له بالتبريز في جميع الفنون الاسلامية والأدبية والحكمية والاسرار العرفانية.
ومن مآثر طبعه اللطيف وخلقه الشريف على ما عن مجالس المؤمنين أنه في أوائل الحال كان معتكفا في زاوية العزلة والخمول، مشتغلا بتحقيق حقائق الفروع والأصول، فكتب إليه فضلاء الحلة والعراق صحيفة يحتوي على مذمته وملامته على هذا الأخلاق، وقالوا: العجب منك مع شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وابداع اللطائف، قاطن في العتزال، ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال، فكتب في جوابهم هذه الأبيات:
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى * فقصر بي عما سموت بها القل تبين لي ان المحاسن كلها * فروع وأن المال فيها هو الأصل فلما وصلت هذه الأبيات إليهم، كتبوا إليه: انك أخطأت في ذلك خطا ظاهرا، وحكمك بأصالة المال عجيب بل اقلب تصب، فكتب في جوابهم هذه الأبيات، وهي لبعض الشعراء المتقدمين.
قد قال قوم بغير علم * ما المرء الا بأكبريه فقلت قول امرأ حكيم * ما المرء الا بدرهميه