وتعصب جماعة كثيرة بعد أن حبس في القلعة الدمشقية سنة كاملة، وكان سبب حبسه أن وشى نقي الدين الجبلي بعد ارتداده وظهور امارة الارتداد منه أنه كان عاملا، ثم بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص اسمه يوسف بن يحيى وارتد عن مذهب الإمامية، وكتب محضرا يشنع فيه على الشيخ شمس الدين بن مكي بأقاويل شنيعة معتقدات فضيعة، وأنه كان أفتى به الشيخ محمد بن مكي.
وكتب في ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل ممن كان يقول بالإمامة والتشيع وارتدوا عن ذلك، وكتبوا خطوطهم تعصبا مع ابن يحيى في هذا الشأن، وكتب في هذا ما ينيف على الألف من أهل السواحل من المسننين، وأثبتوا ذلك عند قاضي مرو (1) وقاضي صيدا، وأتوا بالمحضر إلى قاضي عباد بن جماعة بدمشق، فنفذه إلى القاضي المالكي، وقال له: تحكم بما فيه مذهبك والا عزلتك.
فجمع الملك بيد مرو الامراء والقضاة والشيوخ لعنهم الله جميعا، وأحضروا الشيخ محمد وقرأ عليه المحضر، فأنكر ذلك وذكر أنه غير معتقد له مراعيا للتقية الواجبة فلم يقبل منه، وقيل له: قد ثبت ذلك عليك شرعا لا ينقض حكم القاضي.
فقال: الغائب على حجته، فان أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه والا فلا، وها أنا أبطل شهادة من شهد بالجرح ولي على كل واحد حجة بينه، فلم يسمع ذلك منه ولم يقبل.
فقال الشيخ للقاضي عباد بن جماعة: اني شافعي المذهب وأنت الآن امام هذا المذهب وقاضيه فاحكم بمذهبك، وانما قال الشيخ ذلك لان الشافعي تجوز توبة المرتد، فقال ابن جماعة: على مذهبي يجب حبسك سنة في استتابتك، أما الحبس فقد حبستك ولكن تب إلى الله واستغفر حتى أحكم باسلامك، فقال: ما فعلت ما يوجب الاستغفار حتى أستغفر، خوفا من أن يستغفر فيثبت على الذنب، فاستغلظه ابن جماعة وأكد عليه، فأبى عن الاستغفار فساره ساعة، ثم قال: قد استغفرت فثبت عليك الحق.