وشهدوا هؤلاء المشايخ أنا سمعنا آبائنا حكوا عن آبائهم وأجدادهم، أنا عهدنا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر، واسمه علي بن عثمان، وذكر أنه همداني وأن أصله من صنعاء اليمن، فقلنا له: أنت رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام فقال بيده ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه، ففتحهما كأنهما سراجان وقال: رأيته بعيني هاتين وكنت معه خادما له، وكنت معه في وقعة صفين، وهذه الشجة من دابة علي عليه السلام، وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن.
وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر، وأنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة.
وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا، ثم انا فاتحناه وسائلنا عن قصته وحاله وسبب طول عمره، فوجدناه ثابت العقل فيهم ما يقال له ويجيب عنه بلب وعقل، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها، وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيات في الظلمات، وأنه من شرب منها طال عمره، فحمله الحرص على دخول الظلمات، فتحمل وتزود حسب ما قد رآه يكتفي به في سيره.
وأخرجني وأخرج معنا خادمين وباذلين وعدة اجمال لبون وروايا وزاد، وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة، فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات، ثم دخلنا فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها، وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان يكون أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل، فنزلنا بين جبال وأودية ودركات.
وقد كان والدي (رحمه الله) وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيات في هذا الموضع، فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فنى الماء الذي كان معنا وأسقينا جمالنا، ولو أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا.
وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب الماء، ويأمرنا بأن يوقد نارا ليهتدي إذا أراد الرجوع إلينا، فمكثنا في تلك البقعة نحوا من خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده، وبعد الأياس عزم على الانصراف حذرا من التلف، لفناء الزاد والماء، والخدم الذين كانوا معنا زجروا وفشوا التلف على أنفسهم، فألحوا على والدي