لأنه قد قرب أجله.
ثم قال: فوالله ما أدري أين مرا أفي السماء أو في الأرض، فنظرنا فاذن لا بئر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجبين من ذلك، إلى أن رجعنا إلى نجران، فاعتل عمي ومات بها، وأتممت أنا وأبي حجنا ووصلنا إلى المدينة، فاعتل أبي ومات وأوصى إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخذني وكنت معه، فأقمت معه أيام أبي بكر وعمر وعثمان وأيام خلافته، حتى قتله عبد الرحمن بن ملجم لعنة الله عليه.
وذكر أنه لما حوصر عثمان في داره دعاني، فدفع إلي كتابا ونجيبا وأمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وكان غائبا بينبع، فأخذت الكتاب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له جدار أبي عباية، سمعت قرآنا فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام يسير مقبلا من ينبع وهو يقول: (أفحسبتم أنما خلقناك عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) فلما نظر إلي قال: أبو الدنيا ما وراك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان، فأخذه وفضه فإذا فيه شعر:
فان كنت مأكولا فكن أنت آكلي * والا فأدركني ولما أمزق فلما قرأه قال: سر بنا، فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان، فمال أمير المؤمنين عليه السلام إلى حديقة بني النجار وعلم الناس بمكانه، فجاؤوا إليه ركضا وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله، فلما نظروا إليه انفضوا إليه انفضاض الغنم يشد عليها السبع، فبايعه طلحة ثم الزبير ثم بايع المهاجرون والأنصار.
فأقمت معه أخدمه، فحضرت معه الجمل وصفين، فكنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذ سقط سوطه من يده، فأكببت آخذه وأدفعه إليه، وكان لجام دابته حديدا مدمجا، فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي، فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام فتفل فيها وأخذ حفنة من التراب فتركه عليها، فوالله ما وجدت ألما ولا وجعا.
ثم أقمت معه حتى قتل صلوات الله عليه، وصحبت الحسن بن علي عليهما السلام حتى ضرب بساباط المدائن، ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين عليه