ملا علي الكني أصلا الرازي موقفا. وهذا الشيخ كان من أجلة العلماء وأوحد المجتهدين وملجئا ومفزعا لكل مظلوم، أستاذ العصر وفقيه الزمان ونادرة الدوران، متبوع الكلمة عند السلطان ومقربي الخاقان، مسلطا على الجبابرة.
قال في آخر كتابه المؤلف في علمي الدراية والرجال المسمى بتوضيح المقال:
وحيث أن العبد الذي أقلهم علما وعملا وأكثرهم خطا وزللا، مصنف هذه الرسالة وجامع المقالة المسماة بتوضيح المقال في علم الرجال نظم نفسه في جملتهم، فليدخل اسمه في سلك أساميهم الشريفة الجليلة توافق العالمين وتكميل العدد المذكور إلى الستين.
فأقول: سميت بعلي وولدت في سنة عشرين بعد الألف ومائتين من الهجرة الشريفة قرب بلدة طهران بفرسخين في سفح جبل هناك المسماة ب " كن " بفتح الكاف وتشديد النون لتسترها بانخفاض محلها، قال تعالى (وجعل لكم من الجبال أكنانا) وذهبت إلى المعلم بسعي مني والتماس، فاستغنيت عنه في مدة قليلة.
ثم كنت مصرا على الدخول في العلوم العربية الأدبية، واستمر على المنع إلى قرب عشرين سنة، فوقفت عند ذلك لذلك بدعوات شافية وشفعاء كافية، إلى أن وفقت المجاورة الروضات الساميات والعتبات العاليات، فببركاتهم وشفاعاتهم عليهم السلام شرعت في تصنيف الأصول، وكتبت فيها جملة وافية وعمدة نافعة، برز منها أكثر مسائل الأوامر والنواهي والمفاهيم والاستصحاب في رسالة مستقلة، بل لم يبق منها الا نذر يسير في سنة أربع وأربعين بعد ألف ومائتين.
إلى أن وقع الطاعون العظيم في أكثر البلاد خاصة في العراق، فعاقني ذلك وغيره كغيري عن الاشتغال، وصرنا مدة سنتين أو أزيد في حل وارتحال، إلى أن وفقت ثانيا للمجاورة، فاشتغلت بتصنيف الفقه لما رأيت من ذهاب الرجال ودنو الآجال وانقطاع الآمال، فحيث لم يكن عندي ما يحتاج إليه من الكتب والأسباب لعدم مساعدة الدهر مع معاضدة شدة الفقر كنت أكتب في كل موضع يتيسر لي بعد كد شديد وشد أكيد ما يحتاج إليه في ذلك الموضع.