التدقيق، مقنن الأصولية، مشيد المباني الفروعية، مفتاح أبواب العلوم الشرعية، مربي العلماء الامامية، مدرس الفنون العلمية، مؤسس القواعد المتينة، مبتكر الضوابط الكلية، الذي كل من تأخر عنه فقد أخذ من لآلي أصدافه الرقيقة، مولانا الأعظم الآخوند ملا محمد شريف بن الملا حسن علي المازندراني أصلا، والحائري مسكنا ومدفنا، بل قيل: ومولدا.
وكان غالب قراءة الوالد في الأصول عليه، وقد تلمذ عنده جميع مدة تحصيله في الحائر، وكان خصيصا به، وهو أول من أجاز له من تلاميذه ومتعلميه.
قال الوالد: لما حضرت درسه كنت عاريا وحشيا غير قادر على جمع مطالبه، فلم أتفقه منه الا المفردات من الكلمات، لم أتمكن من تحرير درسه إلى شهر أو أزيد بقليل، فصار ذلك ثقيلا على الفوائد، كنت متأوها متأسفا مهموما مغموما، فتوسلت إلى البقعة الشريفة الحسينية عليه السلام فزرت وطفت الضريح المقدس، وبعد الزيارة والطواف شرعت في الدعاء، واستدعاء انكشاف العلوم الغامضة، فبكيت كثيرا إلى أن ضاق علي الحوصلة ورق قلبي رقة شديدة.
فودعت وصرت إلى المدرسة في حجرتي، فنمت بعد المطالعة في حالة الهم والغم، فرأيت في المنام سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله أنه يتوضأ، فتشرفت إلى خدمته فسلمت فأجاب لي، فقمت عنده خاضعا خاشعا، فعرضت على طريق الالحاح والالتجاء، وقلت: أنا سيد، فأجابني بأن السيد كثير أظهر حاجتك ومطلبك، فقلت: يا مولاي أطلب منك العلم، فأمرني بالتوسل إلى القبة الشريفة وأشار بيده المباركة إليها، يعني: إلى قبة سيد الشهداء عليه السلام.
فانتبهت وأيقظت، فلما حضرت الدرس، فلم أزل يوما فيوما يزيدني الفهم والدقة إلى ستة أشهر، حتى من لم يعرفني من داخل حوزه بالمدرس الأستاذ الشريف في أول الوحلة لم يفرقني من الأستاذ ويشتبه عليه الامر، فأجازني الا أني بعد صدور الإجازة مكثت عنده ثلاث سنين أو أقل بنصف، وقرأت غالب المسائل الأصولية من الخارج.