الايمان هو هذا المنع، كما قال في الأول (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه) والمتقدمون والمتأخرون على طريقة واحدة كذلك قال الذين من قبلهم، مثل قولهم تشابهت قلوبهم، فما كانوا ليؤمنوا به بما كذبوا من قبل.
فاللعين الأول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقول، لزمه أن يجري حكم الخالق في الخلق، وحكم الخلق في الخالق، الأول عتو والثاني تقصير.
فبأن من الشبهة الأولى مذاهب الحلولية والتناسخية والمشبهة والغلات، حيث غلوا في شخص من الاشخاص حتى وضعوه بصفات الجلال.
وصار من الشبهة الثانية مذاهب القدرية والجبرية والمجسمة، حيث قصروا في وصفه تعالى بصفات المخلوقين، والمعتزلة مشبهة الافعال، والمشبهة حلولية الصفات.
ومذهب القدرية طلب العلة في كل شئ، وذلك فعل اللعين الأول، إذ طلب العآلة في الخلق أولا، والحكمة في التكليف ثانيا، والفائدة في تكليف السجود لآدم ثالثا، وعنه نشأ مذهب الخوارج، إذ لا فرق بين قولهم لا حكم الا الله فلا يحكم الرجال، وبين قوله لا أسجد الا لك (أأسجد لبشر خلقته من صلصال) وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بأنه يقع في هذه الأمة ما وقع في الأمم السابقة، كما قال: لتسلكن سبيل الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة (1).
وذلك أن الشبهات التي نشأت زمن النبي صلى الله عليه وآله مأخوذة من الشبهة الأولى، بدليل أنهم ما كانوا يرضون بحكمة في الأمر والنهي وجادلوا بالباطل، واعتمدوا على العقل في مقابلة النص.
الثاني: قد ثبت بالنقل وملاحظة كتب السير والتواريخ أن أصول مذاهب أهل السنة القائلين بتقديم الثلاثة على أمير البررة وقاطع أعناق الكفرة علي بن أبي طالب عليه السلام متفرعة على مذاهب ثلاث: