فقال: يا امام الدين ظهر في زماننا جماعة يكفرون صاحب الكبائر، يعني وعيدية الخارج، وجماعة أخرى يرجئون الكبائر ويقولون: لا يضر مع الايمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فكيف تحكم لنا أن نعتقد في ذلك؟
فتفكر الحسن، فقبل أن يجيب قال واصل تلميذه: أنا أقول: إن صاحب الكبيرة لا مؤمن مطلق ولا كافر مطلق.
ثم قام إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد وأخذ يقرر على جماعة من أصحاب الحسن ما أجاب به، من أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت له المنزلة بين المنزلتين، قائلا ان المؤمن اسم مدح، والفاسق اسم لا يستحق المدح، فلا يكون مؤمنا وليس بكافر أيضا، لاقراره بالشهادتين ولوجود سائر أعمال الخير فيه، فإذا مات بلا توبة خلد في النار، إذ ليس في الآخرة الا فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير، لكن يخفف عليه ويكون دركته فوق دركات الكفار، فقال الحسن: قد اعتزل عنا واصل.
الرابعة: تخطأة أحد الفريقين من عثمان وقاتليه، وجوزوا أن يكون عثمان لا مؤمنا ولا كافرا وأن يخلد في النار، وكذا علي عليه السلام ومتابعوه، وحكموا بأن عليا عليه السلام وطلحة والزبير بعد واقعة الجمل لو شهدوا على شئ لم تقبل شهادتهم، كشهادة المتلاعنين أي: الزوج والزوجة، فان أحدهما فاسق لا بعينه.
وأما الهذيلية، فقد أشرنا هناك أن أبا الهذيل حمدان العلاف قد انفرد عن أصحاب أبي حذيفة بعشر قواعد:
الأولى: قالوا بفناء مقدورات الله سبحانه وتعالى، وهذا قريب من مذهب جهم، حيث ذهب إلى أن الجنة والنار يفنيان، وقالوا: ان حركات أهل الجنة والنار ضرورية مخلوقة لله، إذ لو كانت مخلوقة لهم لكانوا مكلفين ولا تكليف لهم في الآخرة.
الثانية: أن أهل الخلدين تنقطع حركاتهم، ويصيرون إلى سكون دائم، ويجتمع في ذلك السكون اللذات لأهل الجنة والآلام لأهل النار.
وانما ارتكب أبو الهذيل هذا القول، لأنه التزم في مسألة حدوث العالم أنه لا