وتحقيق المقام: أن الطبيعة الإنسانية والجبلة البشرية تقتضي حدا لو بلغ المعاشرة والتفتيش إلى ذلك الحد، يعلم غالبا كون الرجل ثقة، والمعاشرة قد تكون مع شخص الرجل من جهة أقواله وأفعاله وأعماله، وقد تكون مع غيبته - ولو بموت - من جهة الاطلاع بأقواله وأفعاله وأعماله، وفي زمن النجاشي والشيخ الطوسي وابن الغضائري وأضرابهم لوجود كتب الأصحاب بينهم، كان يمكنهم الاطلاع بحالهم من جهة ما في كتبهم، فإن هذا الاطلاع أيضا كان نوع معاشرة معهم، فحيث كان متون رواياتهم موافقة للمذهب مطابقة للأحكام المشتملة عليها الأصول المحكوم بصحتها من غير اشتمال على غلو وتخليط ومناكير وغرائب وما يوافق مذاهب أهل البدع وأهل الخلاف وكان غيرهم من أصحاب الكتب ناقلين أخبارهم في أبوابهم، كان ذلك كله دليلا واضحا على ثقتهم وضبطهم من جهة المعاشرة، ومن أنكر ذلك فقد استحال استعلام حال الرواة بالمعاشرة، وهذا مرادهم من قولهم: فلان صحيح الرواية، أو ثقة في الحديث، أو كتبه من الصحاح وغير ذلك.
وأما في زمن العلامة ومن قاربه حيث ذهب أكثر الكتب وتغير طريق العمل ولم يكن الأمر على مراجعة الكتب ومقابلة الأصول، واختلفت طريقهم طريقة السلف، وكان جل نظرهم إلى الكتب الفقهية والفتاوى واشتغالهم بها، ذهب الاطلاع بحال الرجال من هذا الوجه، وبقي حكمهم بحالهم مصروفا على تقليد محض واجتهاد صرف، ولذلك لا يطمئن القلب على توثيقهم من جهة سلوكهم استعلام حال الرجال، والمتأخرون كلهم سواء في ذلك، وللعلامة ونحوه طريق إلى معرفة حال من قاربهم من المشايخ ومن ذكر في طرق الكتب إليهم.
نعم؛ نحن نعلم أن الرؤساء بعد الغيبة وضعوا اصطلاحات بحسب ما يوافق رأيهم في تصحيح الكتب كما ذكرنا في عنوان محمد بن أحمد بن يحيى، وذلك كله كان اجتهادا منهم، ولذلك آل الأمر إلى الاجتهاد في الكل والتبس الأمر في الكل، فقبول التوثيق عن العلامة وغيره كالنجاشي والشيخ وغيرهما على السواء.
والذي يدل على توثيق ابن الغضائري عند العلامة أنه قد يذكر قوله من غير إسناد إليه، ومن ذلك ما قال في عبد الله بن بحر: في " صه "، وفي نقد الرجال: عبد الله بن بحر كوفي، روى عن أبي بصير والرجال، ضعيف مرتفع القول " غض " (1)، وفي عبد الله بن الحكم: وفي " صه "... إلى آخر الترجمة، وفي نقد الرجال: ضعيف مرتفع القول " غض " (2)، وفي عبد الله بن سالم: في " صه "، وفي نقد الرجال: