الرابع: أن يكون طريق علية الوصف فيهما الاستنباط، إلا أن دليل إحدى العلتين السبر والتقسيم، والأخرى المناسبة، فما طريق ثبوت العلية فيه السبر والتقسيم يكون أولى، لان الحكم في الفرع، كما يتوقف على تحقق مقتضيه في الأصل يتوقف على انتفاء معارضه في الأصل، والسبر والتقسيم فيه التعرض لبيان المقتضي وإبطال المعارض، بخلاف إثبات العلة بالإحالة، فكان السبر والتقسيم أولى.
فإن قيل: وصف العلة لا بد وأن يكون مناسبا في نفس الامر أو شبهيا لامتناع التعليل بالوصف الطروي، ولا يخفى أن احتمال عدم المناسبة بعد إظهارها بالطريق التفصيلي أبعد من احتمال عدمها في السبر والتقسيم، حيث لم يتعرض فيه لبيانها تفصيلا، فكان طريق المناسبة أولى قلنا: إلا أن التعرض لمناسبة الوصف لا دلالة له بوجه على نفي المعارض في الأصل، فإنه لامتناع من اجتماع مناسبين في محل واحد على حكم واحد، ودلالة البحث والسير على مناسب في الأصل غير الوصف المشترك، مع أن الأصل أن يكون الحكم معقول المعنى وأن يدل على أن الوصف المشترك مناسب، ولا يخفى أن ما يدل على مناسبة العلة وعلى انتفاء معارضها أولى مما يدل على مناسبتها ولا يدل على انتفاء معارضها.
فإن قيل: إلا أن طريق إثبات العلة بالمناسبة أو الشبه أدل على مناسبة الوصف بعد إظهارها من دلالة السبر والتقسيم على انتفاء وصف آخر، لاحتمال أن يصدق الناظر في قوله، وأن يكذب، وبتقدير صدقه فظهور ذلك مختص به دون غيره، بخلاف طريق المناسبة، فإنه ظاهر بالنظر إلى الخصمين.
قلنا: بل العكس أولى، وذلك لان الخلل العائد إلى دليل نفي المعارض إنما هو بالكذب أو الغلط، لعدم الظفر بالوصف، ولا يخفى أن وقوع الغلط مع كون الوصف المبحوث عنه ظاهرا جليا، ووقوع الكذب مع كون الباحث عدلا، أبعد من احتمال وقوع الغلط فيما أبدى من المناسبة مع كونها خفية مضطربة.