الخامس: أن يكون حكم الأصل في أحدهما قد قام دليل خاص على وجوب تعليله، وجواز القياس عليه، ولا كذلك الآخر، فما قام الدليل فيه على وجوب تعليله وجواز القياس عليه أولى، وإن لم يكون ذلك شرطا في صحته كما سبق ، لما فيه من الامن من غائلة التعبد والقصور على الأصل ولبعده عن الخلاف.
السادس: أن يكون حكم أحد الأصلين مما اتفق القياسيون على تعليله، والآخر مختلف فيه، فما اتفق على تعليله أولى، إذ هو أبعد عن الالتباس، وأغلب على الظن.
السابع: أن يكون حكم أحد الأصلين قطعيا، لكنه معدول به عن سنن القياس، والآخر ظني، لكنه غير معدول به عن سنن القياس، فالظني الموافق لسنن القياس أولى، لكونه موافقا للدليل وأبعد عن التعبد.
الثامن: أن يكون حكم أحدهما في الأصل قطعيا، إلا أنه لم يقم دليل خاص على وجوب تعليله، وعلى جواز القياس عليه، وحكم الآخر ظني إلا أنه قد قام الدليل على وجوب تعليله وعلى جواز القياس عليه، فما حكمه قطعي أولى، لان ما يتطرق إليه من الخلل إنما هو بسبب قربه من احتمال التعبد والقصور على الأصل المعين، وما يتطرق إلى الظني من الخلل، فمن جهة أن يكون الامر في نفسه خلاف ما ظهر، واحتمال التعبد والقصور على ما ورد الشرع فيه بالحكم أبعد من احتمال ظن الظهور لما ليس بظاهر والترك للعمل بما هو ظاهر.
التاسع: أن يكون حكم أصل أحدهما قطعيا، إلا أنه لم يتفق على تعليله، وحكم الآخر ظني إلا أنه متفق على تعليله، فالظني المتفق على تعليله أولى، لان تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع إنما هو فرع تعقل العلة في الأصل، وتحقق وجودها في الفرع، واحتمال معرفة ذلك فيما هو متفق عليه أغلب، واحتمال الخلل بالنظر إلى الحكم الظني، وإن كان قائما ومأمونا في جانب الحكم القطعي، إلا أن احتمال قطع القياس فيما لم يتفق على تعليله لعدم الاطلاع على ما هو المقصود من حكم الأصل، أغلب من احتمال انقطاع القياس لخلل ملتحق بالظاهر الدال على حكم الأصل، مع ظهور دليله وعدم الاطلاع عليه بعد البحث التام فيه.
العاشر: أن يكون دليل ثبوت الحكم في أصل أحدهما أرجح من الآخر، إلا أنه مختلف في نسخه بخلاف الآخر، فما دليله راجح أولى، لان الأصل عدم النسخ، وقول النسخ معارض بقول عدم النسخ، فكان احتمال عدم النسخ أرجح.