وعن السنة أن الخبر، وإن كان عاما في الأصحاب والمقتدين بهم، غير أن ما فيه الاقتداء غير عام، ولا يلزم من العموم في الأشخاص، العموم في الأحوال.
وعلى هذا، فقد أمكن حمله على الاقتداء في الرواية عن النبي عليه السلام، لا في الرأي والاجتهاد. وقد عمل به فيه، فلا يبقى حجة فيما عداه، ضرورة إطلاقه.
وعن الاجماع أنه إنما لم ينكر بعض الصحابة على بعض المخالفة، لان المخطئ غير معين، ومع ذلك، فهو مأمور باتباع ما أوجبه ظنه، ومثاب عليه. والذي يجب إنكاره من الخطأ ما كان مخطئه معينا، وهو منهي عنه. وما نحن فيه ليس كذلك.
وعن الشبهة الأولى من المعقول: لا نسلم أنه لو كان الحكم في الواقعة معينا لنصب الله عليه دليلا قاطعا، إذ هو مبني على وجوب رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى، وقد أبطلناه في كتبنا الكلامية. وإن سلمنا وجوب رعاية الحكمة، ولكن لا مانع أن تكون الحكمة طلب الظن بذلك الحكم، بناء على الأدلة الظنية، لا طلب العلم به لنيل ثواب النظر والاجتهاد. فإن ثوابه لزيادة المشقة فيه أزيد، على ما قال عليه السلام ثوابك على قدر نصبك وإن لم تظهر فيه حكمة، فلا مانع من اختصاصه بحكمة لا يعلمها سوى الرب تعالى.
وعن الثانية أنه إنما خير العامي في التقليد لمن شاء، لكونه لا يقدر على معرفة الا علم دون معرفة مأخذ المجتهدين، ووجه الترجيح فيه. وذلك مما يخرجه عن العامية، ويمنعه من جواز الاستفتاء، بل غاية ما يقدر على معرفته كون كل واحد منهما عالما أهلا للاجتهاد، ومن هذه الجهة قد استويا في نظره، فلذلك كان مخيرا حتى إنه لو قدر على معرفة الأعلم ولو بإخبار العلماء بذلك، لم يجز له تقليد غيره.
وعن الثالثة أنه إنما امتنع نقض ما خالف الصواب لعدم معرفة الصواب من الخطأ.
وعن الرابعة أنها منقوضة بما إذا كان في المسألة نص أو إجماع ولم يعلم به المجتهد بعد البحث التام فان الحكم فيها معين، ومع ذلك فالمجتهد مأمور باتباع ما أوجبه ظنه.