وتعذيبه على ذلك منهم مع العلم الضروري بأن كل من قاتله وقتله لم يكن معاندا بعد ظهور الحق له بدليله، فان ذلك مما تحيله العادة. ولو كانوا معذورين في اعتقاداتهم، وقد أتوا بما كلفوا به، لما ساغ ذلك منه.
وأما الاجماع فهو أن الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين اتفقوا أيضا على قتال الكفار وذمهم ومهاجرتهم على اعتقاداتهم، ولو كانوا معذورين في ذلك، لما ساغ ذلك من الأمة المعصومة عن الخطأ.
فإن قيل: أما الآية الأولى فغاية ما فيها ذم الكفار، وذلك غير متحقق في محل النزاع، لان الكفر في اللغة مأخوذ من الستر والتغطية، ومنه يقال: لليل كافر، لأنه ساتر للحوادث، وللحارث كافر، لسترة الحب، وذلك غير متصور إلا في حق المعاند العارف بالدليل، مع إنكاره لمقتضاه، كيف وإنه يجب حمل هذه الآية، والآيتين بعدها على المعاند دون غيره، جمعا بينه وبين ما سنذكره من الدليل.
وأما ما ذكرتموه من قتل النبي عليه السلام الكفار، فلا نسلم أنه كان على ما اعتقدوه عن اجتهادهم، بل على إصرارهم على ذلك، وإهمالهم لترك البحث عما دعوا إليه والكشف عنه مع إمكانه.
وأما الاجماع فلا يمكن الاستدلال به في محل الخلاف، كيف وإنه يمكن حمل فعل أهل الاجماع على ما حمل عليه فعل النبي عليه السلام.
ودليل هذه التأويلات أن تكليفهم باعتقاد نقيض معتقدهم الذي أدى إليه اجتهادهم، واستفرغوا الوسع فيه، تكليف بما لا يطاق، وهو ممتنع، للنص والمعقول.
أما النص، فقوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 286).