أما الكتاب فكما في قول القائل: مالي صدقة، فإن القياس لزوم التصدق بكل مال له، وقد استحسن تخصيص ذلك بمال الزكاة كما في قوله تعالى * (خذ من أموالهم صدقة) * (التوبة: 9) ولم يرد به سوى مال الزكاة.
وأما السنة فكاستحسانهم أن لا قضاء على من أكل ناسيا في نهار رمضان، والعدول عن حكم القياس إلى قوله، عليه السلام، لمن أكل ناسيا (الله أطعمك وسقاك).
وأما العادة فكالعدول عن موجب الاجارات في ترك تقدير الماء المستعمل في الحمام، وتقدير السكنى فيها، ومقدار الأجرة، كما ذكرناه فيما تقدم، للعادة في ترك المضايقة في ذلك.
ومنهم من قال إنه عبارة عن تخصيص قياس بدليل هو أقوى منه، وحاصله يرجع إلى تخصيص العلة، وقد عرف ما فيه.
وقال الكرخي: الاستحسان هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه، لوجه هو أقوى، ويدخل فيه العدول عن حكم العموم إلى مقابله للدليل المخصص، والعدول عن حكم الدليل المنسوخ إلى مقابله للدليل الناسخ، وليس باستحسان عندهم.
وقال أبو الحسين البصري: هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ، لوجه هو أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول، وقصد بقوله (غير شامل شمول الألفاظ) الاحتراز عن العدول عن العموم إلى القياس، لكونه لفظا شاملا، وبقوله (وهو في حكم الطارئ) الاحتراز عن قولهم: تركنا الاستحسان بالقياس، فإنه ليس استحسانا، من حيث إن القياس الذي ترك له الاستحسان ليس في حكم الطارئ، بل هو الأصل، وذلك كما لو قرأ أية سجدة في آخر سورة، فالاستحسان أن يسجد لها، ولا يجتزئ بالركوع، ومقتضى القياس أن يجتزئ بالركوع، فإنهم قالوا بالعدول ها هنا عن الاستحسان إلى القياس.
وهذا الحد وإن كان أقرب مما تقدم لكونه جامعا مانعا، غير أن حاصله يرجع إلى تفسير الاستحسان بالرجوع عن حكم دليل خاص إلى مقابله بدليل طارئ