ترك ما أيقن وجوبه بظن لم يصح، فصح يقينا لا مرية فيه أن حكم حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد نسخ وبطل بلا شك، ومن ادعى عود المنسوخ وبطلان الناسخ فقد كذب وأفك.
ثم حتى لو شككنا هل نسخ هذا النهي بعد وجوبه أو لا؟ لم يجز لاحد ترك ما أيقن وجوبه بظن ولم يصح، وحتى ولو صح قول ابن عباس أنه نكحها وهو محرم - دون أن تخبر ميمونة رضوان الله عليها بخلاف ذلك، بل لو وافقته ميمونة على أنه عليه السلام نكحها وهو محرم - لما وجب بذلك ترك ما قد تيقناه من النهي عن نكاح المحرم الناسخ للإباحة المتقدمة لأمر لا ندري أقبله كان أم بعده، وترك اليقين للشك وتغليب الظن على الحقيقة باطل وحرام لا يحل وهذا ما لا يخيل على ذي لب، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فحتى لو صح أن نكاحه عليه السلام ميمونة رضي الله عنها كان حرما وأنه كان بعد نهيه عن نكاح المحرم - لما كان ذلك مبيحا لانكاح المحرم غيره، ولا لخطبته على نفسه، وعلى غيره، ولكان نكاح المحرم حينئذ منسوخا مستثنى من النهي الوارد عن نكاحه وإنكاحه وخطبته، ولكان باقي الحديث واجبا لازما لا يحل مخالفته، وهذه كلها وجوه لائحة واضحة، والحمد لله رب العالمين.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين، بأن يكون أحدهما اختلف على راويه فيه، والآخر لم يختلفوا على راويه فيه، ومثلوا ذلك بحديث ابن عمر، فإن زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، وبحديث علي فإن زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة، ففي كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة.
قال علي: وهذا بين ليس من أجل الاختلاف - فقد أبطلنا ذلك في الفصل الذي قبل هذا - ولكن لان حديث ابن عمر هو الزائد حكما على حديث علي رضي الله عنهما.
وقالوا أيضا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد قيل فيه إنه من كلام الراوي، ولم يقل ذلك في الآخر، فأخذ بالذي لم يقل ذلك فيه، ومثلوا بحديث عتق الشقص الذي أحدهما من طريق ابن عمر دون أن يكون فيه ذكر الاستسعاء.
والآخر من طريق أبي هريرة وفيه ذكر الاستسعاء. قالوا وقد قيل: إن