الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٧٣
ترك ما أيقن وجوبه بظن لم يصح، فصح يقينا لا مرية فيه أن حكم حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد نسخ وبطل بلا شك، ومن ادعى عود المنسوخ وبطلان الناسخ فقد كذب وأفك.
ثم حتى لو شككنا هل نسخ هذا النهي بعد وجوبه أو لا؟ لم يجز لاحد ترك ما أيقن وجوبه بظن ولم يصح، وحتى ولو صح قول ابن عباس أنه نكحها وهو محرم - دون أن تخبر ميمونة رضوان الله عليها بخلاف ذلك، بل لو وافقته ميمونة على أنه عليه السلام نكحها وهو محرم - لما وجب بذلك ترك ما قد تيقناه من النهي عن نكاح المحرم الناسخ للإباحة المتقدمة لأمر لا ندري أقبله كان أم بعده، وترك اليقين للشك وتغليب الظن على الحقيقة باطل وحرام لا يحل وهذا ما لا يخيل على ذي لب، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فحتى لو صح أن نكاحه عليه السلام ميمونة رضي الله عنها كان حرما وأنه كان بعد نهيه عن نكاح المحرم - لما كان ذلك مبيحا لانكاح المحرم غيره، ولا لخطبته على نفسه، وعلى غيره، ولكان نكاح المحرم حينئذ منسوخا مستثنى من النهي الوارد عن نكاحه وإنكاحه وخطبته، ولكان باقي الحديث واجبا لازما لا يحل مخالفته، وهذه كلها وجوه لائحة واضحة، والحمد لله رب العالمين.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين، بأن يكون أحدهما اختلف على راويه فيه، والآخر لم يختلفوا على راويه فيه، ومثلوا ذلك بحديث ابن عمر، فإن زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، وبحديث علي فإن زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة، ففي كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة.
قال علي: وهذا بين ليس من أجل الاختلاف - فقد أبطلنا ذلك في الفصل الذي قبل هذا - ولكن لان حديث ابن عمر هو الزائد حكما على حديث علي رضي الله عنهما.
وقالوا أيضا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد قيل فيه إنه من كلام الراوي، ولم يقل ذلك في الآخر، فأخذ بالذي لم يقل ذلك فيه، ومثلوا بحديث عتق الشقص الذي أحدهما من طريق ابن عمر دون أن يكون فيه ذكر الاستسعاء.
والآخر من طريق أبي هريرة وفيه ذكر الاستسعاء. قالوا وقد قيل: إن
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258