الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
ترك شئ منه إلا ما خرج عن الاستطاعة، ووقع العجز عنه فقط، وقد ظن قوم أن هذا الحديث مؤكد للنهي عن الامر.
قال علي: وهذا ظن فاسد لان الاجتناب ترك، والترك لا يعجز عنه أحد، وأما العمل فهو حركة لها كلفة أو إمساك عما تقتضيه الطبيعة من الأكل والشرب، وفي ذلك تكلف، وربما يعجز المرء عن كثير منه، فكلفنا من ذلك كل ما انتهى إليه الوسع، ولم يسقط عنا منه شئ إلا لم يكن بنا طاقة على فعله، هذا نص الحديث لمن تأمله ولم يحله عن مفهوم لفظه، فصح بذلك التسوية بين الأمر والنهي، وإيجاب الطاعة للحظر والإباحة على السواء، فليس الحاظر بأوكد من المبيح، ولا المبيح بأوكد من الحاظر.
قال علي: وقالوا: نرجح أيضا بأن يكون راوي أحد الخبرين أضبط وأتقن.
قال علي: هذا أيضا خطأ بما قد أبطلنا - فيما سلف من هذا الباب - قول من رام ترجيح الخبر بأن فلانا أعدل من فلان، فأغنى ذلك عن إعادته، ولكنا نقول ههنا: إن هذا الذي الذي قالوا دعوى لا برهان عليها من نص ولا إجماع وما كان كذلك فهو ساقط.
قال علي: وقالوا نرجح أحد الخبرين بأن يكون رواه جماعة، وروى الآخر واحد.
قال علي: وقد أبطلنا هذا - فيما سلف من هذا الباب - بأن القائلين بذلك قد تركوا ظاهر القرآن الذي نقله أهل الأرض كلهم لخبر نقله واحد، ومثلنا ذلك بتحريمهم الجمع بين المرأة وعمتها، وقطعهم السارق في ربع دينار ولا يقطعونه في أقل، ويرجمون المحصن ومثل هذا كثير، وبينا فيما خلا أن خبر الواحد وخبر الجماعة سواء في باب وجوب العمل بهما، وفي القطع بأنهما حق ولا فرق.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قصد به بيان الحكم، والآخر لم يقصد به الحكم، ومثلوا ذلك بالنهي عن جلود السباع مع قوله عليه السلام:
إذا دبغ الإهاب فقد طهر.
قال علي: أما هذا الترجيح فصحيح، لان الحديث إذا لم يقصد به بيان الحكم فلا إشكال فيه في أنه خلاف الذي قصد به بيان الحكم، وأما الحديثان
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258