الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٧٠
اللذان ذكروا فليسا واقعين تحت هذه الجملة التي ذكروا، بل كل واحد من الحديثين المذكورين فهو مقصود به بيان الحكم والتنظير الصحيح ههنا هو مثل أمره صلى الله عليه وسلم، بأن يكفن المحرم إذا مات في ثوبيه، وألا يمس طيبا ولا يغطي وجهه ولا رأسه، فهذا قصد به بيان حكم العمل في تكفين المحرم، فهو أولى من منع من ذلك بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث لان هذا الحديث لم يقصد به بيان حكم عملنا نحن فيمن مات من محرم أو غيره، وأيضا فحديث النهي عن جلود السباع لا يصح، ولو صح لكانت إذ دبغت جلودها يجب أن تستثنى من سائر الجلود السبعية التي لم تدبغ، لان المدبوغة منها أقل من غير المدبوغة.
وقالوا: ونرجح أحد الخبرين بأن يكون راوي أحدهما باشر الامر الذي حدث به بنفسه وراوي الآخر لم يباشره، فتكون رواية من باشر أولى، ومثلوا ذلك بالرواية عن ميمونة: نكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان.
وبالرواية عن ابن عباس: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.
قال علي: وهذا ترجيح صحيح، لأنا قد تيقنا أن من لم يحضر الخبر إنما نقله غيره، ولا ندري عمن نقله، ولا تقوم الحجة بمجهول، ولا شك في أن كل أحد أعلم بما شاهد من أمر نفسه.
قال علي: إلا أن قائل هذا قد نسي نفسه فتناقض، وهدم ما بنى في قوله نرجح الخبر بأن يكون راويه أضبط وأتقن، وتركوا ذلك في هذا المكان، وقد قال الأكابر من أصحاب ابن عباس رحمة الله عليه - إذ حدثوا بحديث ميمونة المذكور وإنما رواه عنها يزيد بن الأصم - فقالوا: كلا لا نترك حديثا حدثناه البحر عبد الله بن العباس لحديث رواه أعرابي بوال على عقبيه.
قال علي: فإن كان كون أحد الرواة أعدل واجبا أن نترك له رواية من دونه في العدالة، فليتركوا ها هنا رواية يزيد بن الأصم لرواية ابن عباس، فلا خلاف عند من له أدنى مسكة عقل أن البون بين ابن عباس وبين يزيد بن الأصم، كما بين
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258