اللذان ذكروا فليسا واقعين تحت هذه الجملة التي ذكروا، بل كل واحد من الحديثين المذكورين فهو مقصود به بيان الحكم والتنظير الصحيح ههنا هو مثل أمره صلى الله عليه وسلم، بأن يكفن المحرم إذا مات في ثوبيه، وألا يمس طيبا ولا يغطي وجهه ولا رأسه، فهذا قصد به بيان حكم العمل في تكفين المحرم، فهو أولى من منع من ذلك بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث لان هذا الحديث لم يقصد به بيان حكم عملنا نحن فيمن مات من محرم أو غيره، وأيضا فحديث النهي عن جلود السباع لا يصح، ولو صح لكانت إذ دبغت جلودها يجب أن تستثنى من سائر الجلود السبعية التي لم تدبغ، لان المدبوغة منها أقل من غير المدبوغة.
وقالوا: ونرجح أحد الخبرين بأن يكون راوي أحدهما باشر الامر الذي حدث به بنفسه وراوي الآخر لم يباشره، فتكون رواية من باشر أولى، ومثلوا ذلك بالرواية عن ميمونة: نكحني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان.
وبالرواية عن ابن عباس: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.
قال علي: وهذا ترجيح صحيح، لأنا قد تيقنا أن من لم يحضر الخبر إنما نقله غيره، ولا ندري عمن نقله، ولا تقوم الحجة بمجهول، ولا شك في أن كل أحد أعلم بما شاهد من أمر نفسه.
قال علي: إلا أن قائل هذا قد نسي نفسه فتناقض، وهدم ما بنى في قوله نرجح الخبر بأن يكون راويه أضبط وأتقن، وتركوا ذلك في هذا المكان، وقد قال الأكابر من أصحاب ابن عباس رحمة الله عليه - إذ حدثوا بحديث ميمونة المذكور وإنما رواه عنها يزيد بن الأصم - فقالوا: كلا لا نترك حديثا حدثناه البحر عبد الله بن العباس لحديث رواه أعرابي بوال على عقبيه.
قال علي: فإن كان كون أحد الرواة أعدل واجبا أن نترك له رواية من دونه في العدالة، فليتركوا ها هنا رواية يزيد بن الأصم لرواية ابن عباس، فلا خلاف عند من له أدنى مسكة عقل أن البون بين ابن عباس وبين يزيد بن الأصم، كما بين