الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٠٥
فيسفك هذا دما يحله باجتهاده، ويحرمه سائد من ذكرنا فرجا ويحرمه الآخر ويحل أحدهم مالا ويحرمه الآخر، ويوجب أحدهم حدا ويسقطه الآخر، ويوجب أحدهم فرضا وينقضه الآخر، ويحرم أحدهما عملا ويحله الآخر، ولم يختلفوا قط إلا فيما ذكرنا، فيجيز لهؤلاء الحكم فيما ذكرنا، ويعذرهم في اختلافهم في استباحة الدماء فما دونها، وليس عندنا من أمرهم إلا أنهم فيما بدا لنا مسلمون فاضلون، يلزمنا توقيرهم والاستغفار لهم، إلا أننا لا نقطع لهم بالجنة ولا بمغيب عقودهم، ولا برضى الله عز وجل عنهم، لكن نرجو لهم ذلك ونخاف عليهم كسائر أفاضل المسلمين ولا فرق، ثم لا نجيز ذلك لعلي وأم المؤمنين وطلحة والزبير وعمار وهشام بن حكيم ومعاوية وعمرو والنعمان وسمرة وأبي الغادية وغيرهم، وهم أئمة الاسلام حقا والمقطوع على فضلهم، وعلى أكثرهم، بأنهم في الجنة، وهذا لا يخيل إلا على مخذول وكل من ذكرنا من مصيب أو مخطئ - فمأجور على اجتهاده إما أجرين وإما أجرا، وكل ذلك غير مسقط عدالتهم. وبالله تعالى التوفيق.
فصل قال علي: وحكم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير، إلا في حال واحدة، وهي أن يكون المرء قد تثبت فيه، وعرف معناه يقينا فيسأل فيفتي بمعناه وموجبه، أو يناظر فيحتج بمعناه وموجبه، فيقول:
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، وأمر عليه السلام بكذا، وأباح عليه السلام كذا، ونهى عن كذا، وحرم كذا، والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذا. وكذلك القول فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق، وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية وبحكمها بغير لفظها وهذا ما لا خلاف فيه من أحد - في أن ذلك مباح كما ذكرنا.
وأما من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل له إلا أن يتحرى الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر، وإن كان معناهما واحدا، ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر، وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها وتعليمها ولا فرق، وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258