فيسفك هذا دما يحله باجتهاده، ويحرمه سائد من ذكرنا فرجا ويحرمه الآخر ويحل أحدهم مالا ويحرمه الآخر، ويوجب أحدهم حدا ويسقطه الآخر، ويوجب أحدهم فرضا وينقضه الآخر، ويحرم أحدهما عملا ويحله الآخر، ولم يختلفوا قط إلا فيما ذكرنا، فيجيز لهؤلاء الحكم فيما ذكرنا، ويعذرهم في اختلافهم في استباحة الدماء فما دونها، وليس عندنا من أمرهم إلا أنهم فيما بدا لنا مسلمون فاضلون، يلزمنا توقيرهم والاستغفار لهم، إلا أننا لا نقطع لهم بالجنة ولا بمغيب عقودهم، ولا برضى الله عز وجل عنهم، لكن نرجو لهم ذلك ونخاف عليهم كسائر أفاضل المسلمين ولا فرق، ثم لا نجيز ذلك لعلي وأم المؤمنين وطلحة والزبير وعمار وهشام بن حكيم ومعاوية وعمرو والنعمان وسمرة وأبي الغادية وغيرهم، وهم أئمة الاسلام حقا والمقطوع على فضلهم، وعلى أكثرهم، بأنهم في الجنة، وهذا لا يخيل إلا على مخذول وكل من ذكرنا من مصيب أو مخطئ - فمأجور على اجتهاده إما أجرين وإما أجرا، وكل ذلك غير مسقط عدالتهم. وبالله تعالى التوفيق.
فصل قال علي: وحكم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير، إلا في حال واحدة، وهي أن يكون المرء قد تثبت فيه، وعرف معناه يقينا فيسأل فيفتي بمعناه وموجبه، أو يناظر فيحتج بمعناه وموجبه، فيقول:
حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، وأمر عليه السلام بكذا، وأباح عليه السلام كذا، ونهى عن كذا، وحرم كذا، والواجب في هذه القضية ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذا. وكذلك القول فيما جاء من الحكم في القرآن ولا فرق، وجائز أن يخبر المرء بموجب الآية وبحكمها بغير لفظها وهذا ما لا خلاف فيه من أحد - في أن ذلك مباح كما ذكرنا.
وأما من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل له إلا أن يتحرى الألفاظ كما سمعها لا يبدل حرفا مكان آخر، وإن كان معناهما واحدا، ولا يقدم حرفا ولا يؤخر آخر، وكذلك من قصد تلاوة آية أو تعلمها وتعليمها ولا فرق، وبرهان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم