الحيض كسؤال المرأة عنه ولا فرق، وحرص العالم على أن يتعلم كحرص الممتحن بالنازلة التي يسأل عنها ولا فرق، وإنما أوجبنا الغسل من الاكسال لحديث أبي هريرة لأنه زائد على سائر الأحاديث، لان الأصل أن لا غسل على أحد، وجاء حديث أبي هريرة بإيجاب الغسل، فكان شريعة واردة زائدة بيقين، ثم لم يصح أنها نسخت، ولو لم يكن في ذلك إلا حديث عائشة رضي الله عنها لما وجب به الغسل، لأنه ليس فيه إلا: فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا. وليس في هذا الحديث إيجاب الغسل، وإنما فيه أن الغسل فضل فقط.
وقد روي وصح أنه عليه السلام كان ربما اغتسل بين كل وطأتين وليس ذلك واجبا، فلو لم يكن هنا إلا قول عائشة رضي الله عنها لكان اغتساله عليه السلام من الاكسال كاغتساله بين كل وطأتين ولا فرق، وإنما هو عمل يؤجر من ائتسى به عليه السلام، ولا يأثم من لم يفعله غير راغب عنه، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين على الآخر، بأن يكون أحد المختلفين استعمل كل واحد من الخبرين في موضع الخلاف، فيكون أولى ممن لا يستعملها، ومثلوا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: كل امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل مع قوله عليه السلام: الأيم أحق بنفسها من وليها.
قال علي: وهذا الذي ذكروا لا معنى له، بوجه من الوجوه هو كلام ساقط زائف، لأنه ليس عمل أحد الخصمين حجة على الآخر، إلا أن يأتي ببرهان يصحح عمله، وأما الحديثان اللذان ذكروا فإنما حملناهما على ظاهرهما فأبطلنا نكاح كل امرأة نكحت بغير إذن مواليها ثيبا كانت أو بكرا، على عموم الحديث.
وظاهر لفظه المفهوم منه في بطلان نكاحها بغير إذنهم، وهو الذي لا يحل لاحد تعديه، وقلنا الأيم أحق بنفسها من وليها في اختيار نكاح من شاءت، والاذن فيه أورده فلا اعتراض لوليها في ذلك عليها، ولا على كل بالغ من بكر - ذات أب أو يتيمة - بأحاديث أخر وآي مضافة بعضها إلى بعض، فاستثنينا الانكاح وحده وهو المنصوص عليه من سائر أحوالها، لأنه الأخص فاستثني من الأعم، وكانت أحق بنفسها في سائر أمورها كلها من وليها حاشا عقد الانكاح وحده، وهذا هو لفظ الحديثين نصا بلا مزيد.