السماء والأرض، وإن كان لا معنى لذلك، فلا ترجحوا بكون أحد الراويين أعدل.
قال أبو محمد: ونسوا أنفسهم أيضا، فتركوا ما رجحوا به ها هنا من تغليب رواية من باشر على رواية من لم يباشر، في قول أنس: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبتي تمس ركبته وأنا إلى جنبه رديف لأبي طلحة، وهو عليه السلام يقول: لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا وفي قول البراء بن عازب إذ يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية حجه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني سقت الهدي وقرنت. وفي قول حفصة أم المؤمنين له: لم تحل من عمرتك، فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبين عليها لم فعل ذلك، فتركوا ما سمع أنس بن مالك من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، لكلام عن عائشة لم تدع أنها سمعته، وقد اضطرب عنها أيضا فيه، فروي عنها مثل ما قال أنس والبراء وحفصة رضي الله عن جميعهم، ولكلام عن جابر لم يدع أنه سمعه، وهو مع ذلك أيضا يحتمل التأويل، وقد اضطرب عنه أيضا في ذلك ولا شك عند ذي عقل أنه عليه السلام أعلم بأمر نفسه من جابر وعائشة، وأن أنسا والبراء وحفصة - الذين ذكروا أنهم سمعوا من لفظه صلى الله عليه وسلم ذلك، وباشروه يقول ذلك - أيقن من جابر فيما لم يدع أنه سمعه، ولكن هكذا يكون من اعتقد قولا قبل أن يعتقد برهانه: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قولا لم يختلف فيه، والآخر فعلا مختلفا فيه، ومثلوا ذلك برواية عثمان رضي الله عنه: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب، وبالرواية في نكاح ميمونة مرة بأنه عليه السلام كان حلالا، ومرة بأنه عليه السلام كان محرما.
قال علي: وهذا لا معنى له، لان العدل إذا روى شيئا قد بينا أنه لا يبطله خلاف من خالفه، ولا كثرة من خالفه، وليس العمل في الاخبار كدراهم قمار تلقى درهم بدرهم ويبقى الفضل للغالب، لكن خبر واحد يستثنى منه أخبار كثيرة،