الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٧١
السماء والأرض، وإن كان لا معنى لذلك، فلا ترجحوا بكون أحد الراويين أعدل.
قال أبو محمد: ونسوا أنفسهم أيضا، فتركوا ما رجحوا به ها هنا من تغليب رواية من باشر على رواية من لم يباشر، في قول أنس: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبتي تمس ركبته وأنا إلى جنبه رديف لأبي طلحة، وهو عليه السلام يقول: لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا وفي قول البراء بن عازب إذ يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية حجه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني سقت الهدي وقرنت. وفي قول حفصة أم المؤمنين له: لم تحل من عمرتك، فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبين عليها لم فعل ذلك، فتركوا ما سمع أنس بن مالك من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، لكلام عن عائشة لم تدع أنها سمعته، وقد اضطرب عنها أيضا فيه، فروي عنها مثل ما قال أنس والبراء وحفصة رضي الله عن جميعهم، ولكلام عن جابر لم يدع أنه سمعه، وهو مع ذلك أيضا يحتمل التأويل، وقد اضطرب عنه أيضا في ذلك ولا شك عند ذي عقل أنه عليه السلام أعلم بأمر نفسه من جابر وعائشة، وأن أنسا والبراء وحفصة - الذين ذكروا أنهم سمعوا من لفظه صلى الله عليه وسلم ذلك، وباشروه يقول ذلك - أيقن من جابر فيما لم يدع أنه سمعه، ولكن هكذا يكون من اعتقد قولا قبل أن يعتقد برهانه: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قولا لم يختلف فيه، والآخر فعلا مختلفا فيه، ومثلوا ذلك برواية عثمان رضي الله عنه: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب، وبالرواية في نكاح ميمونة مرة بأنه عليه السلام كان حلالا، ومرة بأنه عليه السلام كان محرما.
قال علي: وهذا لا معنى له، لان العدل إذا روى شيئا قد بينا أنه لا يبطله خلاف من خالفه، ولا كثرة من خالفه، وليس العمل في الاخبار كدراهم قمار تلقى درهم بدرهم ويبقى الفضل للغالب، لكن خبر واحد يستثنى منه أخبار كثيرة،
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258