الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٨
قبل أن يعمل به من أن يكون حقا واجبا أو باطلا، فإن كان حقا واجبا لم يزده العمل به قوة، لأنه لا يمكن أن يكون حق أحق من حق آخر في أنه حق، وإن كان باطلا فالباطل لا يحققه أن يعمل به.
قال علي: واحتج بعضهم في وجوب ترجيح أحد الخبرين على الآخر. فقال:
كما نرجح إحدى البينتين على الأخرى إذا تعارضتا مرة بالقرعة ومرة باليد.
قال علي: وهذا هو عكس الخطأ على الخطأ ولسنا نساعدهم على ترجيح بينة على أخرى لا بيد ولا بقرعة، لان ذلك لم يوجبه نص ولا إجماع. وأيضا:
فحتى لو صح ترجيح إحدى البينتين على الأخرى لما جاز ذلك في الحديثين، لان هذا قياس والقياس باطل، وأيضا فحتى لو صح ترجيح إحدى البينتين على الأخرى وكان القياس حقا، لكان ترجيح الحديثين أحدهما على الآخر لا يجوز لان الاختلاف في الحديثين باطل، والتعارض عنهما منفي بما ذكرنا من قوله تعالى ولو كان من عند غير الله لو جدوا فيه اختلافا كثيرا وبإخبار تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم وحي كله، وأما البينتان فالتعارض فيهما موجود، والاختلاف فيهما ممكن قال علي:
وقالوا إن كان أحد الخبرين حاظرا والآخر مبيحا فإنما نأخذ بالحاظر وندع المبيح.
قال علي: وهذا خطأ لأنه تحكم بلا برهان، ولو عكس عاكس فقال: بل نأخذ بالمبيح لقوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج ولقوله تعالى:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولقوله تعالى:) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا) * أما كان يكون قوله أقوى من قولهم؟ ولكنا لا نقول ذلك، بل نقول: إن كل أمر من الله تعالى لنا فهو يسر، وهو رفع الحرج، وهو التخفيف، ولا يسر ولا تخفيف ولا رفع حرج أعظم من شئ أدى إلى الجنة ونجى من جهنم، وسواء كان حظرا أو إباحة، ولو أنه قتل الأنفس والأبناء والآباء قال علي: ويبطل ما قالوا أيضا بقوله عليه السلام: إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم.
قال علي: فأوجب عليه السلام من الفعل ما انتهت إليه الطاقة، ولم يفسح في
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258