الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٧٥
جاء النص الصحيح من القرآن والسنة بإيجاب ذلك فرضا، فأما القرآن فقوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات فاذكر والله عند المشعر الحرام وأما السنة فقوله عليه السلام لعروة بن مضرس: من أدرك الصلاة ههنا - يعني بمزدلفة - مع الناس والامام فقد أدرك، وإلا فلم يدرك أو كما قال عليه السلام، وتحكم أصحاب التقليد وأهل القياس أكثر من أن يحصيه إلا خالقهم الذي أحصى عدد القطر وورق الشجر ومكايل البحار، لا إله إلا هو.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يوافقه عمل أهل المدينة.
قال علي: وهذا هو باطل، وقد أفردنا له فصلا بعد كلامنا هذا في هذا الباب وبالله تعالى التوفيق، ومثلوا ذلك بأخبار رويت في الأذان والإقامة.
قال علي: ولا يصح في ذلك خبر مسند إلا حديث أنس بن مالك رضوان الله عليه: أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة وبه نأخذ.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد علق الحكم فيه بالاسم، ويكون الآخر قد علق الحكم فيه بالمعنى، فيكون الذي علق الحكم فيه بالمعنى أولى.
قال علي: وهذا لا معنى له، لأنها دعوى بلا برهان، وإذ لو عارضهم معارض فقال: بل الذي علق فيه الحكم بالاسم أولى، لما انفصلوا منه، ومثلوا ذلك بقوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه مع نهيه عليه السلام عن قتل النساء.
قال علي: وإنما أخذنا بقتل النساء المرتدات، لان النهي عن قتل النساء عموم، والامر بقتل من غير دينه مخصوص من ذلك العموم، على ما قدمنا قبل من استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني، وأيضا فقد اتفقت الأمة على أن نهيه عليه السلام عن قتل النساء ليس على ظاهره، واتفقوا أنها إن زنت وهي محصنة أنها تقتل، وإن قتلت مسلما أنها تقتل، وأيضا فإن نهيه عليه السلام عن قتل النساء، إنما هو داخل في جملة قوله: دماؤكم عليكم حرام فهو بعض تلك الجملة واستثنى كل من ورد أمر بإيجاب قتله أو إباحته من باغ أو شارب خمر بعد أن حد فيها ثلاثا، أو زان محصن، أو قاتل عمدا أو مرتد، وصح أن النهي عن قتل النساء إنما هو من الأسارى من أهل دار الحرب.
وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما منصوصا بنسبته إلى
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258