الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٦٦
فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص قال علي: وذهب بعض أصحابنا إلى ترك الحديثين إذا كان أحدهما حاظرا والآخر مبيحا، أو كان أحدهما موجبا والآخر مسقطا. قال: فيرجع حينئذ إلى ما كنا نكون عليه لو لم يرد ذانك الحديثان.
قال علي: وهذا خطأ من جهات، أحدها: أننا قد أيقنا أن الأحاديث لا تتعارض لما قد قدمنا من قوله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * مع إخباره تعالى أن كل ما قال نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه وحي فبطل أن يكون في شئ من النصوص تعارض أصلا، وإذا بطل التعارض فقد بطل الحكم الذي يوجبه التعارض، إذ كل شئ بطل سببه فالمسبب من السبب الباطل باطل بضرورة الحس والمشاهدة.
والثاني: أنهم يتركون كلا الخبرين والحق في أحدهما بلا شك، فإذا تركوهما جميعا فقد تركوا الحق يقينا في أحدهما، ولا يحل لاحد أن يترك الحق اليقين أصلا.
والثالث: أنهم لا يفعلون ذلك في الآيتين اللتين إحداهما حاظرة والأخرى مبيحة، أو إحداهما موجبة والثانية نافية، بل يأخذون بالحكم الزائد ويستثنون الأقل من الأكثر، وقد بينا فيما سلف أنه لا فرق بين وجوب ما جاء في القرآن، وبين وجوب ما جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال علي: كان حجتهم في ذلك أن قالوا إن أحد الخبرين ناسخ بلا شك، ولسنا نعلمه بعينه، فلما نعلمه لم يجز لنا أن نقدم عليه بغير علم فيدخل في قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم الآية.
قال علي: وهذه الحجة فاسدة من وجهين، أحدهما: أنه يلزمهم مثل ذلك الآيتين وهم لا يفعلون ذلك. والوجه الثاني: أنه لا يجوز أن يقال في خبر ولا آية: إن هذا منسوخ إلا بيقين.
قال علي: ويكفي من بطلان هذا الذي احتجوا به أننا على يقين من أن الحكم الزائد على معهود الأصل رافع لما كان الناس عليه قبل وروده، فهو الناسخ بلا شك، ونحن على شك من هل نسخ ذلك الحكم بحكم آخر يردنا إلى ما كنا عليه أو لا؟
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258