فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص قال علي: وذهب بعض أصحابنا إلى ترك الحديثين إذا كان أحدهما حاظرا والآخر مبيحا، أو كان أحدهما موجبا والآخر مسقطا. قال: فيرجع حينئذ إلى ما كنا نكون عليه لو لم يرد ذانك الحديثان.
قال علي: وهذا خطأ من جهات، أحدها: أننا قد أيقنا أن الأحاديث لا تتعارض لما قد قدمنا من قوله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * مع إخباره تعالى أن كل ما قال نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه وحي فبطل أن يكون في شئ من النصوص تعارض أصلا، وإذا بطل التعارض فقد بطل الحكم الذي يوجبه التعارض، إذ كل شئ بطل سببه فالمسبب من السبب الباطل باطل بضرورة الحس والمشاهدة.
والثاني: أنهم يتركون كلا الخبرين والحق في أحدهما بلا شك، فإذا تركوهما جميعا فقد تركوا الحق يقينا في أحدهما، ولا يحل لاحد أن يترك الحق اليقين أصلا.
والثالث: أنهم لا يفعلون ذلك في الآيتين اللتين إحداهما حاظرة والأخرى مبيحة، أو إحداهما موجبة والثانية نافية، بل يأخذون بالحكم الزائد ويستثنون الأقل من الأكثر، وقد بينا فيما سلف أنه لا فرق بين وجوب ما جاء في القرآن، وبين وجوب ما جاء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
قال علي: كان حجتهم في ذلك أن قالوا إن أحد الخبرين ناسخ بلا شك، ولسنا نعلمه بعينه، فلما نعلمه لم يجز لنا أن نقدم عليه بغير علم فيدخل في قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم الآية.
قال علي: وهذه الحجة فاسدة من وجهين، أحدهما: أنه يلزمهم مثل ذلك الآيتين وهم لا يفعلون ذلك. والوجه الثاني: أنه لا يجوز أن يقال في خبر ولا آية: إن هذا منسوخ إلا بيقين.
قال علي: ويكفي من بطلان هذا الذي احتجوا به أننا على يقين من أن الحكم الزائد على معهود الأصل رافع لما كان الناس عليه قبل وروده، فهو الناسخ بلا شك، ونحن على شك من هل نسخ ذلك الحكم بحكم آخر يردنا إلى ما كنا عليه أو لا؟