أو عذر ما، ويكون في كل واحد من العملين المذكورين اللذين أمر بأحدهما ونهى عن الآخر شئ ما - يمكن أن يستثنى من الآخر، وذلك بأن يكون على ما وصفنا في كل نص من النصين المذكورين حكمان فصاعدا، فيكون بعض ما ذكر في أحد النصين عاما لبعض ما ذكر في النص الآخر، ولا شئ آخر معه، ويكون الحكم الثاني الذي في النص الثاني عاما أيضا لبعض ما ذكر في هذا النص الآخر، ولا شيئا آخر معه.
قال علي: وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص وأغمضه وأصعبه، ونحن نمثل من ذلك أمثلة تعين بحول الله وقوته على فهم هذا المكان اللطيف. وليعلم طالب العلم والحريص عليه وجه العمل في ذلك إن شاء الله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما وجدنا أحدا قبلنا شغل باله في هذا المكان بالشغل الذي يستحقه هذا الباب، فإن الغلط والتناقض فيه يكثر جدا إلا من سدده الله بمنه ولطفه، لا إله إلا هو.
قال علي: فمن ذلك قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال عليه السلام: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم منها ففي الآية عموم الناس وإيجاب عمل خاص عليهم وهو السفر إلى مكان واحد نفسه بعينه من سائر الأماكن، وهو مكة أعزها الله، فاضبط هذا، وفي الحديث المذكور تخصيص بعض الناس وهم النساء، ونهيهن عن عمل عام وهو السفر جملة، لم يخص بذلك مكان دون مكان.
فاختلف الناس في كيفية استعمال هذين النصين.
فقالت طوائف منهم: معنى ذلك ولله على الناس حج البيت حاشا النساء اللواتي لا أزواج لهن ولا ذا محرم، فليس عليهم حج إذا سافرت إليه سفرا قدره كذا، فاستثنوا كما ترى النساء من الناس.
وقالت طوائف أخر: معنى ذلك لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم، إلا أن يكون سفرا أمرت به كالحج أو ندبت إليه كالنظر في مالها، أو ألزمته كالتغريب، فإنها تسافر إليه دون زوج ودون