فحرام ترك اليقين للشكوك. وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وقد اضطرب خاطر أبي بكر محمد بن داود رحمه الله إلى ما ذهبنا إليه إلا أنه رحمه الله اخترم قبل إنعام النظر في ذلك، وذلك أنه قال في كتاب الوصول والعمل في الخبرين المتعارضين كالعمل في الآيتين ولا فرق.
قال علي: وقال بعض أهل القياس: نأخذ بأشبه الخبرين بالكتاب والسنة.
قال علي: وهذا باطل، لأنه ليس الذي ردوا إليه حكم هذين الخبرين أولى بأن يأخذ به من الخبرين المردودين إليه، بل النصوص كلها سواء في وجوب الاخذ بها، والطاعة لها، فإذ قد صح ذلك بيقين، فما الذي جعل بعضها مردودا وبعضها مردودا إليه، وما الذي أوجب أن يكون بعضها أصلا وبعضها فرعا، وبعضها حاكما وبعضها محكوما فيه؟ فإن قال: الاختلاف الواقع في هذين هو الذي حط درجتهما إلى أن يعرضا على غيرهما.
قال علي: وهذه دعوى مفتقرة إلى برهان، لأنه ليس الاختلاف موجبا لكونهما معروضين على غيرهما، لان الاختلاف باطل، فظنهم أنه اختلاف ظن فاسد يكذبه قول الله عز وجل: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فإذ قد أبطل الله تعالى الاختلاف الذي جعلوه سببا لعرض الحديثين على سنة أخرى أو آية أخرى، فقد وجب ضرورة أن يبطل مسببه الذي هو العرض، وهذا برهان ضروري، وبالله تعالى التوفيق قال علي: وإذا كانت النصوص كلها سواء في باب وجوب الاخذ بها، فلا يجوز تقوية أحدها بالآخر، وإنما ذلك من باب طيب النفس، وهذا هو الاستحسان الباطل وقد أنكره بعضهم على بعض.
قال علي: وقد رجح بعض أصحاب القياس أحد الخبرين على الآخر بترجيحات فاسدة، نذكرها إن شاء الله تعالى، ونبين غلطهم فيها بحول الله تعالى وقوته. فمن ذلك أن قالوا: إن كان أحد الخبرين معمولا به قال علي: وهذا غير باطل لما نذكره إن شاء الله تعالى بعد هذا - في فصل فيه إبطال قوم من احتج بعمل أهل المدينة - إلا أننا نقول ها هنا جملة: لا يخلو الخبر