رضي الله عنها أنهم كانوا يأنفون من اتخاذ الكنف في البيوت، وأنهم كانوا يتبرزون خارج المنازل، والرواية الصحيحة أنه عليه السلام كان إذا أراد أن يتبرز أبعد، وليس لاحد أن يقول: إن ابن عمر إذا أشرف من السطح رآه في بنيان إلا كان متكهنا فهذا وجه.
والوجه الثاني: أنه حتى لو صح أنه عليه السلام كان في بنيان فليس في ذلك الحديث إلا الاستدبار وحده، فبأي شئ استحلوا استقبال القبلة بالغائط، ولا نص عندهم فيه؟ وليس إذا نسخ أو خص بعض ما ذكر في الحديث وجب أن ينسخ أو يترك سائره، فإن قالوا: بل يترك سائره كانوا متحكمين في الدين، ومسقطين لشرائع الله تعالى بلا دليل، وسنستوعب الكلام في هذا الفصل في باب الخصوص أو النسخ من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل. ولزمهم أيضا أن يقولوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن مهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الكلب وكسب الحجام، ثم أباح كسب الحجام، أن يستباح حلوان الكاهن ومهر البغي وثمن الكلب، لان كل ذلك مذكور في حديث واحد، وإلا كانوا متناقضين.
قال علي: ووجه العمل في هذين الحديثين، هو الاخذ بالزائد، وقد كان الأصل بلا شك أن يجلس كل أحد لحاجته كما يشاء، فحديث ابن عمر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود النهي، ثم صار ذلك النهي رافعا لتلك الإباحة بيقين، ولا يقين عندنا أنسخ شئ من ذلك النهي أم لا؟ فحرام أن نترك يقينا لشك، وأن نخالف حقيقة لظن، وليس لاحد أن يقول: إن حديث ابن عمر متأخر، إلا لكان لغيره، أن يقول بل حديث النهي هو المتأخر، لأنه قد رواه سليمان، وإسلامه في سنة الخندق، وأبو هريرة وإسلامه بعد انقضاء فتح خيبر، إلا أن النهي شريعة واردة رافعة لما كان الناس عليه من إباحة ذلك بيقين، ولا يقين عندنا في أن الإباحة عادت بعد ارتفاعها، ولو صح أن حديث ابن عمر كان متأخرا ما كان فيه إلا رفع النهي عن استدبار القبلة فقط، وليبق استقبالها على التحريم.