أو يحيلوا على معدوم فيما لا يصح على قولهم قبول القرآن والدين إلا به، وفي هذا إبطال للدين والقرآن جملة، والمنع من اعتمادهما، ونعوذ بالله من هذا، وهكذا القول في وجوب طاعة من أخذ عن أولئك الرسل قرآنا أو سنة وبلغ ذلك إلى غيره، ولأنها بلاد واسعة لا سبيل لكل واحد من أولئك الرسل إلى لقاء جميعهم من رجل وامرأة، لكن يبلغ ويبلغ من بلغه هو وهكذا أبدا لئلا يقول جاهل هذا خصوص لأولئك الرسل.
وقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) * الآية.
قال أبو محمد: لا يخلو النافر للتفقه في الدين من أن يكون عدلا أو فاسقا ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان فاسقا فقد أمرنا بالتبين في أمره وخبره من غير جهته فأوجب ذلك سقوط قبوله، فلم يبق إلا العدل. فكان هو المأمور بقبول نذارته.
قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري لا محيد عنه رافع للاشكال والشك جملة.
وقد بينا هذا النوع من البرهان في كتابنا في حدود الكلام المعروف بالتقريب قال علي: وقد توهم من لا يعلم أنا إنما أوجبنا قبول خبر العدل من قوله تعالى:
ا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا فقط.
قال أبو محمد: وقد أغفل من تأول علينا ذلك، ولو لم تكن إلا هذه الآية وحدها لما كان فيها ما يدل على قبول خبر العدل ولا على المنع من قبوله، بل إنما منع فيها من قبول خبر الفاسق فقط وكان يبقى خبر العدل موقوفا على دليله، ولكن لما استفاضت هذه الآية التي فيها المنع من قبول خبر الفاسق إلى الآية التي فيها قبول نذارة النافر للتفقه، صارتا مقدمتين أنتجتا قبول خبر الواحد العدل دون الفاسق بضرورة البرهان وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وقد أوجب الله تعالى على كل طائفة إنذار قومها، وأوجب على قومها قبول نذارتهم بقوله تعالى: * (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) *