فقد حذر تعالى من مخالفة نذارة الطائفة - والطائفة في اللغة تقع على بعض الشئ كما قدمنا - ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن مسلما ثقة لو دخل أرض الكفر فدعا قوما إلى الاسلام وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لازما لهم قبوله، ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة. وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولا إلى ملك من ملوك الكفر، أو إلى أمة من أمم الكفر، ويدعوهم إلى الاسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين، ولا فرق.
وما قال قط مسلم إنه كان حكم أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه عليه السلام إلى كل ناحية معلما ومفتيا ومقرئا. نعم أنت رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الايمان حق عندنا. ولكن ما أفتيتنا به وعلمتنا من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه السلام، فلا نقبله منك ولا نأخذه عنك، لان الكذب جائز عليك، ومتوهم منك، حتى يأتينا لكل ذلك كواف وتواتر. بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين.
وكذلك لا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث من بعث من رسله إلى الآفاق لينقلوا إليهم عنه القرآن، والسنن وشرائع الدين، وأنه عليه السلام لم يبعثهم إليه ليشرعوا لهم دينا لم يأت هو به عن الله تعالى، فصح بهذا كله أن كل ما نقله الثقة عن الثقة مبلغا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة ففرض قبوله، والاقرار به والتصديق به، واعتقاده والتدين به، وأن كل ما صح عن صاحب أو تابع أو من دونهم من قراءة لم تستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من فتيا لم تسند إليه صلى الله عليه وسلم، فلا يحل قبول شئ من ذلك لأنه لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك قد صح عن الواحد بعد الواحد من الصحابة والتابعين، وليس فضلهم بموجب قبول آرائهم، ولا بمانع أن يهموا فيما قالوه بظنهم، لكن فضلهم معف على كل خطأ كان منهم، وراجح به، وموجب تعظيمهم وحبهم وبالله تعالى التوفيق.
وبرهان آخر: وهو أنه قد صح يقينا وعلم ضرورة أن جميع الصحابة أولهم عن آخرهم قد اتفقوا دون اختلاف من أحد منهم، ولا من أحد من التابعين الذين كانوا في عصرهم، على أن كل أحد منهم كان إذا نزلت به النازلة سأل الصاحب عنها