وجهات من اليمن. وأبا موسى إلى جهة أخرى، وهي زبيد وغيرها، وأبا بكر على الموسم مقيما للناس حجهم، وأبا عبيدة إلى نجران، وعليا قاضيا إلى اليمن، وكل من هؤلاء مضى إلى جهة ما، معلما لهم شرائع الاسلام، وكذلك بعث أميرا إلى كل جهة أسلمت، بعدت منه أو قربت، كأقصى اليمن والبحرين وسائر الجهات والاحياء والقبائل التي أسلمت، بعث إلى كل طائفة رجلا معلما لهم دينهم، ومعلما لهم القرآن، ومفتيا لهم في أحكام دينهم، وقاضيا فيما وقع بينهم، وناقلا إليهم ما يلزمهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وهم مأمورون بقبول ما يخبرونهم به على نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وبعثه هؤلاء المذكورين مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن، لا يشك فيها أحد من العلماء ولا من المسلمين، ولا في أن بعثهم إنما كانت لما ذكرنا من المحال الباطل الممتنع أن يبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا تقوم عليهم الحجة بتبليغه، ومن لا يلزمهم قبول ما علموهم من القرآن وأحكام الدين وما أفتوهم به في الشريعة، ومن لا يجب عليهم الانقياد لما أخبروهم به من كل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان ذلك لكانت بعثته لهم فضولا، ولكان عليه السلام قائلا للمسلمين: بعثت إليكم من لا يجب عليكم أن تقبلوا منه ما بلغكم عني، ومن حكمكم ألا تلتفتوا إلى ما نقل إليكم عني وألا تسمعوا منه ما أخبركم به عني، ومن قال بهذا فقد فارق الاسلام.
وكذلك من نشأ في قرية أو مدينة ليس بها إلا مقرئ واحد، أو محدث واحد، أو مفت واحد، فنقول لمن خالفنا: ماذا تقولون؟ أيلزمه إذا قرأ القرآن على ذلك المقرئ أن يؤمن بما أقرأه، وأن يصدق بأنه كلام الله تعالى، ويثبت على ذلك أم عليه أن يشك، ولا يصدق بأنه كلام الله عز وجل؟ فإن قالوا: يلزمه الاقرار بأنه كلام الله تعالى. قلنا: صدقتم، فأي فرق بين نقلهم للقرآن وبين نقلهم لسائر السنن، وكلاهما من عند الله تعالى، وكلاهما فرض قبوله؟ وإن قالوا: عليه أن يشك فيه حتى يلقى الكواف، أتوا بعظيمة في الدين ونسألهم حينئذ فيمن لقي من ذلك اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فلابد لهم من حد يقفون عنده من العدد، فيكون قولهم سخريا وباطلا، ودعوى بلا برهان،