وأخذ بقوله فيها، وإنما كانوا يسألونه عما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى في الدين في هذه القصة، ولم يسأل قط أحد منهم إحداث شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى، وهكذا كل من بعدهم جيلا فجيلا لا نحاشي أحدا، ولا خلاف بين مؤمن ولا كافر قطعا في أن كل صاحب وكل تابع سأله مستفت عن نازلة في الدين، فإنه لم يقل له قط: لا يجوز لك أن تعمل بما أخبرتك به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخبرك بذلك الكواف كما قالوا لهم فيما أخبروا به: أنه رأى منهم فلم يلزموهم قبوله.
فإن قيل: فاجعل هذه الحجة نفسها حجة في قبول المرسل، قلنا: ليس كذلك لأنه لم يصح الاجماع قط، لا قديما ولا حديثا على قبول المرسل، بل في التابعين من لم يقبله كالزهري وغيره، يسألون من أخبرهم عمن أخبرهم حتى يبلغوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سقط ذلك عمن ليس في قوته فهم الاسناد ومعرفته فقط، وقد قال الزهري لأهل الشام: ما لي أرى أحاديثكم لا خطم لها ولا أزمة، فصاروا حينئذ إلى قوله، وغير الزهري أيضا كثير. فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فإن جميع أهل الاسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يجزي على ذلك كل فرقة في علمها كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية حتى حدث متكلمو المعتزلة بعد المائة من التاريخ فخالفوا الاجماع في ذلك، ولقد كان عمرو بن عبيد يتدين بما يروي عن الحسن ويفتي به هذا أمر لا يجهله من له أقل علم.
وبرهان آخر: وهو أنه عدد محصور فالتواطؤ جائز عليهم وممكن منهم، ولا خلاف بين كل ذي علم بشئ من أخبار الدنيا، مؤمنهم وكافرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه عليه السلام كان يفتي بالفتيا، ويحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وإن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره عليه السلام بنقل من حضره وهم واحد واثنان، وفي الجملة عدد لا يمتنع من مثلهم بالتواطؤ عند