للدين، وتشكيك في الشرائع. ثم نقول لهم: أخبرونا إن كان ذلك كله ممكنا عندكم، فهل أمركم الله تعالى بالعمل بما رواه الثقات مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يأمركم بالعمل به؟ ولا بد من أحدهما.
فإن قالوا: لم يأمرنا الله تعالى بذلك لحقوا بالمعتزلة، وسيأتي جوابهم على هذا القول إن شاء الله تعالى، وإن قالوا: بل أمرنا الله تعالى بالعمل بذلك قلنا لهم:
فقد قلتم إن الله تعالى أمركم بالعمل في دينه بما لم يأمركم به مما وضعه الكذابون، وأخطأ فيه الواهمون، وأمركم بأن تنسبوا إليه تعالى وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم ما لم يأتكم به قط، وما لم يقله الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا قطع بأنه عز وجل أمر بالكذب عليه، وافترض العمل بالباطل، وبما ليس من الدين، وبما شرع الكذابون مما لم يأذن به الله تعالى وهذا عظيم جدا لا يستجيز القول به مسلم.
ثم نسألهم عما قالوا: إنه ممكن من سقوط بعض ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم في الدين بإيجاب أو تحريم حتى لا يوجد عند أحد، هل بقي علينا العمل به أم سقط عنا؟ ولا بد من أحدهما، فإن قالوا: بل هو باق علينا. قلنا لهم: كيف يلزمنا العمل بما لا ندري وبما لم يبلغنا ولا يبلغنا أبدا.
وهذا هو تحميل الإصر والحرج والعسر الذي قد آمننا الله تعالى منه.
وإن قالوا: بل سقط عنا العمل به، قلنا لهم: فقد أجزتم نسخ شرائع من شرائع الاسلام مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي محكمة ثابتة لازمة، فأخبرونا من الذي نسخها وأبطلها، وقد مات صلى الله عليه وسلم وهي لازمة لنا غير منسوخة؟ وهذا خلاف الاسلام والخروج منه جملة.
فإن قالوا: لا يجوز أن يسقط حكم شريعة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لازم لنا ولم ينسخ. قلنا لهم: فمن أين أجزتم هذا النوع من الحفظ في الشريعة؟ ولم تجيزوا تمام الحفظ للشريعة في ألا يختلط بها باطل لم يأمر الله تعالى به قط، اختلاطا لا يتميز معه الحق الذي أمر الله تعالى به من الباطل الذي لم يأمر به تعالى قط؟ وهذا لا مخلص لهم منه، ولا فرق بين من منع من سقوط شريعة حق وأجاز اختلاطها بالباطل، وبين من منع من اختلاط الحق في الشريعة بالباطل، وأجاز سقوط شريعة حق، وكل هذا باطل لا يجوز البتة وممتنع