خصومنا، فإذ جميع الشرائع إلا الأقل منها راجعة إلى هذه الصفة من النقل، وقد صح الاجماع من الصدر الأول كلهم، نعم وممن بعدهم على قبول خبر الواحد، لأنها كلها راجعة إليه وإلى ما كان في معناه، وهذا برهان ضروري، وبالله تعالى التوفيق.
وبالضرورة نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة، هذا ما لا شك فيه، لكنه عليه السلام كان يقتصر على من بحضرته، ويرى أن الحجة بمن يحضره قائما على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: وأقوى ما شغب به من أنكر قبول خبر الواحد أن نزع بقول الله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم قال أبو محمد: وهذه الآية حجة لنا عليهم في هذه المسألة، لأنا لم نقف ما ليس لنا به علم، بل ما قد صح لنا به العلم، وقام البرهان على وجوب قبوله، وصح العلم بلزوم اتباعه والعمل به، فسقط اعتراضهم بهذه الآية، والحمد لله رب العالمين.
وقال بعضهم: أنتم لا تقبلون الواحد في فلس فكيف تقبلونه في إثبات الشرائع؟
قال أبو محمد: هذا السؤال لا يلزمنا، لأننا لا نقيس شريعة على شريعة، ولا نتعدى ما جاءت به النصوص وثبت في القرآن والسنن، فصح البرهان كما ذكرنا بقبول خبر الواحد في العبادات والشرائع وقبول القرآن فقلنا به، وصح الخبر بقبول المرأة الواحدة في أوضاع فقلنا به، وصح الخبر بقبول الواحد مع اليمين فيما عدا الحدود فقلنا به، وصح الخبر والنص بقبول الرجلين أو الرجل والمرأتين فيما عدا الزنى فقلنا به، وصح النص بقبول أربعة في الزنى فقلنا به، ولم نعارض شريعة بشريعة ولا تعقبنا على ربنا عز وجل، ونحن وهم نقبل في إباحة الدم الحرام من المسلم الفاضل، والفرج الحرام من المسلمة الفاضلة، والبشرة المحرمة في جلد ثمانين في القذف، وفي قطع اليد والرجل رجلين، ولا نقبلهما فيما يوجب إلا خمسين جلدة من زنى الأمة، لا على مؤمنة ولا على كافر، فأين هم عن هذا الاعتراض الفاسد لو عقلوا وهم يقعوا تحت إنكار ربهم تعالى عليهم إذ يقول: * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) *.
وقد قال بعض المتحكمين في الدين بقلة الورع ممن يدعي أنه من أهل القول،