أو أوجبت طبيعة ترك طلب حده، وقد قال بعضهم: لا يقبل من الاخبار إلا ما نقلته جماعة لا يحصرها العدد.
قال أبو محمد: وهذا قول من غمره الجهل، لأنه ليس هذا موجدا في العالم أصلا، وكل ما فيه فقد حصره العدد وإن لم نعلمه نحن، وإحصاؤه ممكن لمن تكلف ذلك، فعلى هذا القول الفاسد قد سقط قبول جميع الاخبار جملة وسقط كون النبي صلى الله عليه وسلم في العالم وهذا كفر. وأيضا فيلزم هؤلاء وكل من حد في عدد من لا تصح الاخبار بأقل من نقل ذلك العدد أمر فظيع يدفعه العقل ببديهته، وهو أن لا يصح عندهم كل أمر يشهده أقل من العدد الذي حدوا، وألا يصح عندهم كل أمر حصره عدد من الناس، وكل أمر لم يحصره أهل المشرق والمغرب، فتبطل الاخبار كلها ضرورة على حكم هذه الأقوال الفاسدة، وهم يعرفون بضرورة حسهم صدق أخبار كثيرة من موت وولادة ونكاح وعزل وولاية واغتفال منزل، وخروج عدو شر واقع، وسائر عوارض العالم مما لا يشهده الا النفر اليسير، ومن خالف هذا فقد كابر عقله ولم يصح عنده شئ مما ذكرنا أبدا، لا سيما إن كان ساكنا في قرية ليس فيها إلا عدد يسير، مع أنه لا سبيل له إلى لقاء أهل المشرق والمغرب.
قال علي: فإن سألنا سائل، فقال: ما حد الخبر الذي يوجب الضرورة؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق أننا نقول: إن الواحد من غير الأنبياء المعصومين بالبراهين عليهم السلام - قد يجوز عليه تعمد الكذب، يعلم ذلك بضرورة الحس، وقد يجوز على جماعة كثيرة أن يتواطؤوا على كذبة إذا اجتمعوا ورغبوا أو رهبوا.
ولكن ذلك لا يخفى من قبلهم، بل يعلم اتفاقهم على ذلك الكذب بخبرهم إذا تفرقوا لا بد من ذلك. ولكنا نقول إذا جاء اثنان فأكثر من ذلك، وقد تيقنا أنهما لم يلتقيا، ولا دسسا، ولا كانت لهما رغبة فيما أخبر به، ولا رهبة منه، ولم يعلم أحدهما