يرو إلا من تلك الطريق، وسواء كان ناقله عبدا أو امرأة أو لم يكن، وإنما الشرط العدالة والتفقه فقط، وإن العجب ليكثر من قوم من المدعين أنهم قائلون بخبر الواحد، ثم يعللون ما خالف مذاهبهم من الأحاديث الصحاح بأن يقولوا: هذا مما لم يروه إلا فلان، ولم يعرف له مخرج من غير هذا الطريق.
قال أبو محمد: وهذا جهل شديد وسقوط مفرط، لأنهم قد اتفقوا معنا على وجوب قبول خبر الواحد والاخذ به، ثم هم دأبا يتعللون في ترك السنة بأنه خبر واحد، والعجب أنهم يأخذون بذلك إذا اشتهوا، فهذا محمد بن مسلم الزهري له نحو تسعين حديثا انفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يروها أحد من الناس سواه، ليس أحد من الأئمة إلا وله أخبار انفرد بها، ما تعلل أحد من هؤلاء المحرمون في رد شئ منها بذلك، فليت شعري ما الفرق بين من قبلوا خبره ولم يروه أحد معه، وبين من ردوا خبره لأنه لم يروه أحد معه، وهل في الاستخفاف بالسنن أكثر من هذا؟.
وأيضا فإن الخبر وإن روي من طرق ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك فهو كله خبر واحد، من أثبت شيئا من ذلك أثبت خبر الواحد، ومن نفى خبر الواحد نفى كل ذلك، لان العلة عندهم في كل ذلك واحدة، وهي أن كل ما لا يضطر إلى التصديق عندهم ولم يوجب القطع على صحة مغيبة لديهم، فهو خبر واحد، وهذه عندهم صفة كل ما لم ينقل بالتواتر، فقد تركوا مذهبهم وهم لا يشعرون، أو يشعرون ويتعمدون، وهذه أسوأ وأقبح، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال علي: وأما المدلس فينقسم إلى قسمين:
أحدهما: حافظ عدل ربما أرسل حديثه، وربما أسنده، وربما حدث به على سبيل المذاكرة أو الفتيا أو المناظرة، فلم يذكر له سندا، وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض، فهذا لا يضر ذلك سائر رواياته شيئا، لان هذا ليس جرحة ولا غفلة، لكنا نترك من حديثه ما علمنا يقينا أنه أرسله وما علمنا أنه أسقط بعض من في إسناده، ونأخذ من حديثه ما لم نوقن فيه شيئا من ذلك.
وسواء قال: أخبرنا فلان، أو قال: عن فلان، أو قال: فلان عن فلان كل ذلك واجب قبوله، ما لم يتيقن أنه أورد حديثا بعينه إيرادا غير مسند، فإن أيقنا