ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط وأخذنا سائر رواياته. وقد روينا عن عبد الرزاق بن همام قال: كان معمر يرسل لنا أحاديث، فلما قدم عليه عبد الله بن المبارك أسندها له وهذا النوع منهم كان جلة أصحاب الحديث وأئمة المسلمين كالحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة بن دعامة، وعمرو بن دينار، وسليمان الأعمش، وأبي الزبير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وقد أدخل علي بن عمر الدارقطني فيهم مالك بن أنس، ولم يكن كذلك ولا يوجد له هذا إلا في قليل من حديثه أرسله مرة وأسنده أخرى.
وقسم آخر: قد صح عنهم إسقاط من لا خير فيه من أسانيدهم عمدا، وضم القوي إلى القوي تلبيسا على من يحدث، وغرورا لم يأخذ عنه، ونصرا لما يريد تأييده من الأقوال، مما لو سمى من سكت عن ذكره لكان ذلك علة ومرضا في الحديث، فهذا رجل مجرح، وهذا فسق ظاهر واجب اطراح جميع حديثه، صح أنه دلس فيه أو لم يصح أنه دلس فيه، وسواء قال سمعت أو أخبرنا أو لم يقل، كل ذلك مردود غير مقبول لأنه ساقط العدالة، غاش لأهل الاسلام باستجازته ما ذكرناه، ومن هذا النوع كان الحسين بن عمارة وشريك بن عبد الله القاضي، وغيرهما.
قال علي: ومن صح أنه قبل التلقين ولو مرة سقط حديثه كله لأنه لم يتفقه في دين الله عز وجل، ولا حفظ ما سمع، وقد قال عليه السلام: نضر الله امرأ سمع منا حديثا حفظه حتى بلغه غيره فإنما أمر عليه السلام بقبول تبليغ الحافظ، والتلقين هو أن يقول له القائل: حدثك فلان بكذا، ويسمي له من شاء من غير أن يسمعه منه، فيقول نعم، فهذا لا يخلو من أحد وجهين ولا بد من أحدهما ضرورة، إما أن يكون فاسقا يحدث بما لم يسمع، أو يكون من الغفلة بحيث يكون الذاهل العقل المدخول الذهن، ومثل هذا لا يلتفت له لأنه ليس من ذوي الألباب، ومن هذا النوع كان سماك بن حرب، أخبر بأنه شاهد ذلك منه شعبة الامام الرئيس ابن الحجاج.
قال علي: ومما غلط فيه بعض أصحاب الحديث أنه قال: فلان يحتمل في الرقائق ولا يحتمل في الاحكام.