قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه تقسيم فاسد لا برهان عليه، بل البرهان يبطله وذلك أنه لا يخلو كل أحد في الأرض من أن يكون فاسقا أو غير فاسق، فإن كان غير فاسق كان عدلا، ولا سبيل إلى مرتبة ثالثة، فالعدل ينقسم إلى قسمين:
فقيه وغير فقيه، فالفقيه العدل مقبول في كل شئ، والفاسق لا يحتمل في شئ، والعدل غير الحافظ لا تقبل نذارته خاصة في شئ من الأشياء، لان شرط القبول الذي نص الله تعالى عليه ليس موجودا فيه، ومن كان عدلا في بعض نقله، فهو عدل في سائره، ومن المحال أن يجوز قبول بعض خبره، ولا يجوز قبول سائره إلا بنص من الله تعالى أو إجماع في التفريق بين ذلك، وإلا فهو تحكم بلا برهان، وقول بلا علم، وذلك لا يحل.
قال علي: وقد غلط أيضا قوم آخرون منهم، فقالوا: فلان أعدل من فلان وراموا بذلك ترجيح خبر الأعدل على من هو دونه في العدالة.
قال علي: وهذا خطأ شديد، وكان يكفي من الرد عليهم أن نقول لهم: إنهم أبرك الناس لذلك، وفي أكثر أمرهم يأخذون بما روى الأول عدالة ويتركون ما روى الأعدل، ولعلنا سنورد من ذلك طرفا صالحا إن شاء الله تعالى، ولكن لا بد لنا بمشيئة الله تعالى من إبطال هذا القول بالبرهان الظاهر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فأول ذلك: أن الله عز وجل لم يفرق بين خبر عدل، وخبر عدل آخر أعدل من ذلك، ومن حكم في الدين بغير أمر من الله عز وجل، أو من رسوله عليه السلام، أو إجماع متيقن مقطوع به منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قفا ما ليس له به علم، وفاعل ذلك عاص لله عز وجل، لأنه قد نهاه تعالى عن ذلك، وإنما أمر تعالى بقبول نذارة النافر الفقيه العدل فقط، وبقبول شهادة العدول فقط، فمن زاد حكما فقد أتى بما لا يجوز له، وترك ما لم يأمره الله تعالى بتركه، وغلب ما لم يأمره الله عز وجل بتغليبه.
قال علي: وأيضا فقد يعلم الأقل عدالة ما لا يعلمه من هو أتم منه عدالة، وقد جهل أبو بكر وعمر ميراث الجدة، وعلمه المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة وبينهما وبين أبي بكر وعمر بون بعيد إلا أنهم كلهم عدول، وقد رجع أبو بكر إلى