من العلماء جيلا بعد جيل، لان كل ما ذكرنا رووا الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك من أحد، واحتج بها بعضهم على بعض، وعملوا بها، وأفتوا بها في دين الله تعالى وهذا اطراح للاجماع المتيقن، وباطل لا تختلف النفوس فيه أصلا، لأنا بالضرورة ندري أنه لا يمكن البتة في البنية أن يكون كل من ذكرنا لم يصدق قط في كلمة رواها، بل كلهم وضعوا كل ما رووا.
وأيضا ففيه إبطال الشرائع التي لا يشك مسلم ولا غير مسلم في أنها ليست في القرآن مبينة كالصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك، وأنه إنما أخذ بيانها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا القطع بأن كل صاحب من الصحابة، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الواضع، والمخترع للكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، ولا يشك أحد على وجه الأرض في أن كل صاحب من الصحابة قد حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أهله وجيرانه، وفي هذا إثبات وضع الشرائع على جميعهم، أولهم عن آخرهم، وما بلغت الروافض والخوارج قط هذا المبلغ، مع أنها دعوى بلا برهان، وما كان كذلك فهو باطل بيقين، في ثلاثة أقوال كما ترى لا رابع لها.
إما أن يكون كل خبر نقله العدل عن العدل مبلغا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا كلها أولها عن آخرها موضوعة بأسرها، وهذا باطل بيقين كما بينا، وإيجاب أن كل صاحب وتابع وعالم - لا نحاشي أحدا - قد اتفقوا على وضع الشرائع والكذب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا انسلاخ عن الاسلام، أو يكون فيها حق وفيها باطل إلا أنه لا سبيل إلى تمييز الحق منها من الباطل لاحد أبدا، وهذا تكذيب لله تعالى في إخباره بحفظ الذكر المنزل، وبإكماله الدين لنا، وبأنه لا يقبل منا إلا دين الاسلام لا شيئا سواه.
وفيه أيضا فساد الدين واختلاطه بما لم يأمر به تعالى قط به، وأنه لا سبيل لاحد في العالم إلى أن يعرف ما أمره الله تعالى به في دينه مما لم يأمره به أبدا، وأن حقيقة الاسلام وشرائعه قد بطلت بيقين، وهذا انسلاخ عن الاسلام.
أو أنها كلها حق مقطوع على غيبها عند الله تعالى، موجبة كلها للعلم، لاخبار الله