وعلى هذا، فالحق أن الأمر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده مطلقا سواء كان عاما أو خاصا.
أما كيف يبتني القول بالنهي عن الضد الخاص على القول بالنهي عن الضد العام ويتفرع عليه؟ فهذا ما يحتاج إلى شئ من البيان، فنقول:
إن القائلين بالنهي عن الضد الخاص لهم مسلكان لا ثالث لهما، وكلاهما يبتنيان ويتفرعان على ذلك:
الأول: مسلك التلازم وخلاصته: أن حرمة أحد المتلازمين تستدعي وتستلزم حرمة ملازمه الآخر. والمفروض أن فعل الضد الخاص يلازم ترك المأمور به، أي الضد العام، كالأكل مثلا الملازم فعله لترك الصلاة المأمور بها. وعندهم أن الضد العام محرم منهي عنه (وهو ترك الصلاة في المثال) فيلزم على هذا أن يحرم الضد الخاص (وهو الأكل في المثال) فابتنى النهي عن الضد الخاص بمقتضى هذا المسلك على ثبوت النهي عن الضد العام.
أما نحن فلما ذهبنا إلى أنه لا نهي مولوي عن الضد العام، فلا موجب لدينا من جهة الملازمة المدعاة للقول بكون الضد الخاص منهيا عنه بنهي مولوي، لأن ملزومه ليس منهيا عنه حسب التحقيق الذي مر.
على أنا نقول - ثانيا - بعد التنازل عن ذلك والتسليم بأن الضد العام منهي عنه: إن هذا المسلك ليس صحيحا في نفسه، يعني أن كبراه غير مسلمة، وهي " إن حرمة أحد المتلازمين تستلزم ملازمه الآخر " فإنه لا يجب اتفاق المتلازمين في الحكم - لا في الوجوب ولا الحرمة ولا غيرهما من الأحكام - ما دام أن مناط الحكم غير موجود في الملازم الآخر. نعم، القدر المسلم في المتلازمين أنه لا يمكن أن يختلفا في الوجوب والحرمة على وجه يكون أحدهما واجبا والآخر محرما،