أحدهما: أنه بعد التنزل عما تقدم وتسليم حرمة الضد العام، فإن هذا المسلك - كما هو واضح - يبتني على وجوب مقدمة الواجب، وقد سبق أن أثبتنا أنها ليست واجبة بوجوب مولوي، وعليه لا يكون ترك الضد الخاص واجبا بالوجوب الغيري المولوي حتى يحرم فعله.
ثانيهما: أنا لا نسلم أن ترك الضد الخاص مقدمة لفعل المأمور به، وهذه المقدمية - أعني مقدمية الضد الخاص - لا تزال مثارا للبحث عند المتأخرين حتى أصبحت من المسائل الدقيقة المطولة. ونحن في غنى عن البحث عنها بعد ما تقدم.
ولكن لحسم مادة الشبهة لا بأس بذكر خلاصة ما يرفع المغالطة في دعوى مقدمية ترك الضد، فنقول:
إن المدعي لمقدمية ترك الضد لضده تبتني دعواه على أن عدم الضد من باب عدم المانع بالنسبة إلى الضد الآخر، للتمانع بين الضدين، أي لا يمكن اجتماعهما معا، ولا شك في أن عدم المانع من المقدمات، لأ أنه من متممات العلة، فإن العلة التامة - كما هو معروف - تتألف من المقتضي وعدم المانع.
فيتألف دليله من مقدمتين:
1 - الصغرى: ان عدم الضد من باب " عدم المانع " لضده، لأن الضدين متمانعان.
2 - الكبرى: ان " عدم المانع " من المقدمات.
فينتج من الشكل الأول: أن عدم الضد من المقدمات لضده.
وهذه الشبهة إنما نشأت من أخذ كلمة " المانع " مطلقة، فتخيلوا أن لها معنى واحدا في الصغرى والكبرى، فانتظم عندهم القياس الذي ظنوه منتجا. بينما أن الحق أن التمانع له معنيان، ومعناه في الصغرى غير معناه