قلت: هذا القول ليس على إطلاقه، وإنما يسلم ذلك في مثل الحدود والتعريفات، فإن أجزاء كل تعريف من أجناسه وفصوله وما بمنزلتهما مفاهيم كلية، لا يحصل من انضمام بعض إلى آخر إلا كلي آخر وهو المعرف.
ولا يذهب عليك، أن البيان المذكور في تقرير البرهان لا يجري بعينه فيما لو كانت الطبيعة من مقولة الأفعال والأحداث، فإن محصل ما قررناه كون كل مما له التشخص وما به التشخص كليا، ومشخص الحدث أمر راجع إلى فاعله ومفعوله ومحل وقوعه زمانا ومكانا - بناء على التحقيق من كون الزمان والمكان أيضا من مشخصات الماهية - وأيا ما كان فهو أمر متعين في حد ذاته، سابق تعينه على حدوث ذلك الحدث من دون أن يكون هو أيضا كليا مفتقرا في تعينه وتشخصه إلى حدوث الحدث، فكل من ذلك حينئذ مشخص الشئ وليس متشخصا به.
ولكن لا يقدح ذلك فيما أقمناه من البرهان على وجود الكلي الطبيعي.
غاية الأمر تطرق تغير ما إلى صورة التقرير، بل هو بعينه يجري بالنسبة إلى أحد طرفي النسبة، ويزيد عليه في إبطال بعض الصور هنا لزوم خلاف الفرض.
هذا مضافا إلى أن الفرد الموجود في الخارج إذا قطع فيه النظر عن مميزاته والإضافات القائمة به والخصوصيات المكتنفة به المميزة له، فإما أن يبقى فيه شئ آخر أو لا.
وعلى الأول: فإما أن يكون الباقي هو الطبيعة الكلية الملحوظة عند العقل لا بشرط شئ من الإضافات أو أمر آخر غيرها، والأول (1) باطل وإلا لزم وجود العرض لا في الموضوع وقيامه بنفسه في أفراد كثير من الماهيات، وكذا الأخير وإلا لزم مبائنة الأفراد للطبائع في كل مما به اشتراكها وما به امتيازها، ويلزم منه عدم صحة الحمل بينهما، فتعين الثاني وهو المطلوب.
مع أنا نقطع بضرورة من الوجدان بأن الحس حيثما توجه إلى فرد موجود