المدعى من الأدلة إن رآها سليمة بل يبتكر دليلا خاصا، كما فعل في حجية خبر الواحد، وقد يوافق الآخرين في الرأي ولكن لا يرتضي ما أقاموه حجة عليه فيردها، ويسوق لذلك الرأي برهانا آخر.
وبهذا يخرج عن طور التبعية والتقليد، ويسلك مسلك التحقيق والتأسيس.
ونراه الحاذق في المناقشة، فهو يجيد تشخيص نقاط الضعف في أدلة خصمه، فيسدد إليها الرمية، وينقض عليها بالنقض والحل لتعود واهية سقيمة.
وتراه يحسن الاخذ بزمام المسائل الأصولية بعد أن ينتزعه من يد خصمه انتزاعا فنيا ويردها إلى بابها كما فعل مع المحقق والعلامة وصاحب المعالم، في مسألة دلالة النهي على الفساد في المعاملات، فقد عرض بهم في استدلالهم على عدم الدلالة بالدليل اللفظي، منبها على محور النزاع، وان المتنازع فيه هو حكم العقل بالفساد أو عدمه، لا استفادة الفساد وعدمها من الدليل النقلي بإحدى الدلالات اللفظية الثلاث. ونجده يعرض الأفكار المستحدثة، والتحقيقات المبتكرة، فتراه يعترض على حصر سقوط التكليف بالإطاعة والعصيان، ويقول بوجود مسقط ثالث وهو حصول غرض المولى، موضحا فكرته هذه بالمثال المقنع وها هو يستعرض فكرة الترتب عرضا واضحا على دقتها واستعصائها.
ومن التفاتاته وتدقيقاته القيمة توضيحه وابانته لمعنى بعض المصطلحات التي أدى الخلط فيها إلى وقوع المخاصمات والمشاجرات الفارغة لدى كثير من السطحيين، وهو بهذا يفرق بدقة ويميز بجدارة بين النزاعات اللفظية والمشاحات الاصطلاحية وبين المناقشات العلمية، فلاحظ ذلك في توضيحه لمصطلح (الاجتهاد) وإزالة الملابسات التي أحيطت به، وتحديد المعنى المقصود به لدى القدماء والمتأخرين.
ليجلي بذلك عن وجه الحقيقة وينفض الغبار عنها. لتصبح المسألة مسلمة واضحة لدى الطرفين.
وتراه يؤسس الرأي وينفرد به كما فعل ذلك في تفصيله في حجية الاستصحاب. واشتراطه جريان البراءة بشروط مبتكرة ومن خلال استعراض الكتاب يبدو للقارئ تسلط المصنف وإلمامه بالمعقول وهو ما يتطلبه الخوض في غمار