ولا يخفى عليك ما في كلامه، فإن قوله عليه السلام: " كل شئ طاهر حتى تستيقن أنه قذر " عام شامل، لما إذا كان الجهل بوصول النجاسة، أو بأنه في الشرع هل هو طاهر؟ أو نجس؟.
مع أن الأول يستلزم الثاني للجاهل، فإن المسلم إذا أعار ثوبه للذمي الذي يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، ثم رده عليه، فهو جاهل بأن مثل هذا الثوب الذي هو مظنة النجاسة، هل هو مما يجب التنزه عنه في الصلاة، وغيرها مما يشترط بالطهارة؟ أو لا؟ فهو جاهل بالحكم الشرعي، مع أنه عليه السلام قرر في الجواب قاعدة كلية، بأن ما لم تعلم نجاسته، فهو طاهر، والفرق بين الجهل بحكم الله تعالى إذا كان تابعا للجهل بوصول النجاسة، وبينه إذا لم يكن كذلك، كالجهل بنجاسة نطفة الغنم، مما لا يمكن إقامة دليل عليه.
وأيضا: قد عرفت مما مر في القسم الثالث، أن الطهارة في جميع ما لم يظهر مخرج عنها - قاعدة مستفادة من الشرع.
وأيضا: فرقه بين نطفة الغنم، وبين البول والدم واللحم وغيرها، تحكم ظاهر، فإن النطفة أيضا منها طاهرة، كنطفة غير ذي النفس، ومنها نجسة.
ومن العجب حكمه بالطهارة فيما إذا وقع الشك في بول الفرس هل هو طاهر؟ أو نجس؟ وحكمه بنجاسة نطفة الغنم عند الشك!.
وكذا الكلام في الحلال والحرام.
فإن قلت: قوله عليه السلام: " كل شئ طاهر، حتى تستيقن أنه قذر " ظاهر في جوانب البناء في جميع الأشياء على الطهارة، حتى يعلم بالنجاسة، من غير فحص عن (1) المعارض، مع أن البناء على أصل الطهارة في نفس الاحكام (2) من المسائل الاجتهادية، التي يحتاج ترجيحها إلى الفحص عن عدم المعارض.