النعمة لا بد من وجوبه، وكذلك لا بد من أن يكون في العقل أصل (1) لإباحة (2) ماله صفة مخصوصة من الافعال، ولا شئ يمكن ذكره في ذلك إلا ما أشرنا إليه من المنفعة الخالصة (3).
ولم يبق إلا أن يقولوا: دلوا على أنه لا مضرة فيما ذكرتم من الفعل، ففيه الخلاف.
قلنا: المضرة على ضربين: عاجلة وآجلة، فالعاجلة يعلم فقدها لفقد طرق العلم بها أو الظن لها، وللعلم أدلة وطرق، وللظن أيضا (4) أمارات وطرق، فإذا فقد كل وجوه العلم و (5) الظن، قطع على انتفاء المضرة العاجلة. ولولا (6) صحة هذه الطريقة لم يعلم انتفاء المضرة عن تصرفنا وتجاراتنا وكثير من أفعالنا. وتجويز المضرة في الفعل من غير أمارة عليه يلحق بظن أصحاب السوداء. وأما المضرة الآجلة، فهي العقاب، وإنما يعلم انتفاء ذلك لفقد السمع الذي يجب أن يرد به لو كان ثابتا، لان الله تعالى لا بد أن يعلمنا ما علينا من المضار الآجلة التي هي العقاب