لا تسمع الموتى» الخ تعليل آخر للتوكل الذي هو عبارة عن التبتل إلى الله تعالى وتفويض الأمر إليه والإعراض عن التشبث بما سواه وقد علل أولا بما يوجبه من جهته تعالى أعنى قضاءه بالحق وعزته وعلمه تعالى وثانيا بما يوجبه من جهته عليه الصلاة والسلام على أحد الوجهين أعني كونه عليه الصلاة والسلام على الحق ومن جهته تعالى على الوجه الآخر أعني إعانته تعالى وتأييده للمحق ثم علل ثالثا بما يوجبه لكن لا بالذات بل بواسطة إيجابه للإعراض عن التشبث بما سواه تعالى فإن كونهم كالموتى والصم والعمى موجب لقطع الطمع عن مشايعتهم ومعاضدتهم رأسا وداع إلى تخصيص الاعتضاد به تعالى وهو المعنى بالتوكل عليه تعالى وإنما شبهوا بالموتى لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم من القوارع وإطلاق الإسماع عن المفعول لبيان عدم سماعهم لشيء من المسموعات ولعل المراد تشبيه قلوبهم بالموتى فيما ذكر من عدم الشعور فإن القلب مشعر من المشاعر أشير إلى بطلانه بالمرة ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله تعالى لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها وإلا فبعد تشبيه أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالصم والعمى مزيد مزية «ولا تسمع الصم الدعاء» أي الدعوة إلى أمر من الأمور وتقييد النفي بقوله تعالى «إذا ولوا مدبرين» لتكميل التشبيه وتأكيد النفي فإنهم مع صممهم عن الدعاء إلى الحق معرضون عن الداعي مولون على أدبارهم ولا ريب في أن الأصم لا يسمع الدعاء مع كون الداعي بمقابلة صماخه قريبا منه فكيف إذا كان خلفه بعيدا منه وقرئ ولا يسمع الصم الدعاء «وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم» هداية موصلة إلى المطلوب كما في قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت فإن الاهتداء منوط بالبصر وعن متعلقة بالهداية باعتبار تضمنه معنى الصرف وقيل بالعمى يقال عمى عن كذا وفيه بعد وإيراد الجملة الاسمية للمبالغة في نفي الهداية وقرئ وما أنت تهدي العمي «إن تسمع» أي ما تسمع سماعا يجدي السامع نفعا «إلا من يؤمن بآياتنا» أي من شأنهم الإيمان بها وإيراد الإسماع في النفي والإثبات دون الهداية مع قربها بأن يقال إن تهدي إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية «فهم مسلمون» تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل فإنهم منقادون للحق وقيل مخلصون لله تعالى من قوله تعالى بلى من أسلم وجهه لله «وإذا وقع القول عليهم» بيان لما أشير إليه بقوله تعالى بعض الذي تستعجلون من بقية ما يستعجلونه من الساعة ومباديها والمراد بالقول ما نطق من الآيات الكريمة بمجئ الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها وبوقوعه قيامها وحصولها عبر عن ذلك به للإيذان بشدة وقعها وتأثيرها وإسناده إلى القول لما أن المراد بيان وقوعها من حيث إنها مصداق للقول الناطق بمجيئها وقد أريد بالوقوع دنوه واقترابه كما في قوله تعالى أتى أمر الله أي إذا دنا وقوع مدلول القول
(٣٠٠)