فإنه صريح في كونه حكاية لعدم إيقانهم السابق في الدنيا والمراد بالناس إما الكفرة على الإطلاق أو مشركو مكة وقد روى عن وهب أنها تخبر كل من تراه أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون وقرئ تكلمهم من الكلم الذي هو الجرح والمراد به ما نقل من الوسم بالعصا والخاتم وقد جوز كون القراءة المشهورة أيضا منه لمعنى التكثير ولا يخفى بعده «ويوم نحشر من كل أمة فوجا» بيان إجمالي لحال المكذبين عند قيام الساعة بعد بيان بعض مباديها ويوم منصوب بمضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بهذا الحشر هو الحشر للعذاب بعد الحشر الكلي الشامل لكافة الخلق وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر بيان سره مرارا أي واذكر لهم وقت حشرنا أي جمعنا من كل أمة من أمم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو من أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة فمن تبعيضية لأن كل أمة منقسمة إلى مصدق ومكذب وقوله تعالى «ممن يكذب بآياتنا» بيان للفوج أي فوجا مكذبين بها «فهم يوزعون» أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقف التوبيخ والمناقشة وفيه من الدلالة على كثرة عددهم وتباعد أطرافهم ما لا يخفى وعن ابن عباس رضي الله عنهما أبو جهل والوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة يساقون بين يدي أهل مكة وهكذا يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم إلى النار «حتى إذا جاؤوا» إلى موقف السؤال والجواب والمناقشة والحساب «قال» أي الله عز وجل موبخا لهم على التكذيب والالتفات لتربية المهابة «أكذبتم بآياتي» الناطقة بلقاء يومكم هذا وقوله تعالى «ولم تحيطوا بها علما» جملة حالية مفيدة لزيادة شناعة التكذيب وغاية قبحه ومؤكدة للإنكار والتوبيخ أي أكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظرا يؤدي إلى العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق حتما وهذا نص في أن المراد بالآيات فيما سلف في الموضعين هي الآيات القرآنية لأنها هي المنطوية على دلائل الصحة وشواهد الصدق التي لم يحيطوا بها علما مع وجوب أن يتأملوا ويتدبروا فيها لا نفس الساعة وما فيها وقيل هو معطوف على كذبتم أي أجمعتم بين التكذيب وعدم التدبر بها «أم ماذا كنتم تعملون» أي أم أي شيء كنتم تعملون بها أو أم أي شيء كنتم تعملون غير ذلك بمعنى أنه لم يكن لهم عمل غير ذلك كأنهم لم يخلقوا إلا للكفر والمعاصي مع أنهم ما خلقوا إلا للإيمان والطاعة يخاطبون بذلك تبكيا ثم يكبون في النار وذلك قوله تعالى «ووقع القول عليهم» أي حل بهم العذاب الذي هو مدلول القول الناطق بحلوله ونزوله «بما ظلموا» بسبب ظلمهم الذي هو تكذيبهم بآيات الله «فهم لا ينطقون» لانقطاعهم عن الجواب بالكلية وابتلائهم بشغل شاغل من العذاب الأليم
(٣٠٢)