هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على أوحينا أي وقلنا يا بني إسرائيل «قد أنجيناكم من عدوكم» فرعون وقومه حيث كانوا يبغونكم الغوائل ويسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وقرئ نجيناكم ونجيتكم «وواعدناكم جانب الطور الأيمن» بالنصب على أنه صفة للمضاف وقرئ بالجر للجوار أي واعدناكم بواسطة نبيكم إيتان جانبه الأيمن نظرا إلى السالك من مصر إلى الشام أي إتيان موسى عليه الصلاة والسلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه ونسبت المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه الصلاة والسلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم وإيفاء لمقام الامتنان حقه كما في قوله تعالى ولقد خلقناكم ثم صورناكم حيث نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين مع أن المخلوق المصور بالذات هو آدم عليه الصلاة والسلام وقرئ واعدتكم ووعدناكم «ونزلنا عليكم المن والسلوى» أي الترنجبين والسماني حيث كان ينزل عليهم المن وهم في التيه مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع ويبعب الجنوب عليهم السماء فيذبح الرجل منه ما يكفيه كما مر مرارا «كلوا» جملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكر لهم وإماما للنعمة عليهم «من طيبات ما رزقناكم» أي من لذائذه أو حلالاته وقرئ رزقتكم وفي البدء بنعمة الإنجاء ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن النظم ولطف الترتيب مالا يخفى «ولا تطغوا فيه» أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدي لما حد لكم فيه كالسرف والبطر والمنع من المستحق «فيحل عليكم غضبي» جواب للنهي أي فنلزمكم عقوبتي وتجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه «ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى» أي تردى وهلك وقيل وقع في الهاوية وقرئ فيحل بضم الحاء من حل يحل إذا نزل «وإني لغفار لمن تاب» من الشرك والمعاصي التي من جملتها الطغيان فيما ذكره «وآمن» بما يجب الإيمان به «وعمل صالحا» أي علم صالحا مستقيما عند الشرع والعقل وفيه ترغيب لمن وقع منه الطغيان فيما ذكر وحث على التوبة والإيمان وقوله تعالى «ثم اهتدى» أي استقام على الهدى إشارة إلى أن من لم يسئمر عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخي الرتبي «وما أعجلك عن قومك يا موسى» حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه الصلاة والسلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة أي وقلنا له أي شئ أعجلك منفردا عن قومك وهذا كما ترى سؤال عن سبب تقدمه على النقباء مسوق لإنكار انفراده عنهم لما في ذلك بحسب الظاهر من مخايل إغفالهم وعدم الاعتداد بهم مع كونه مأمورا باستصحابهم وإحضارهم معه لا لإنكار نفس العجلة الصادرة عنه عليه الصلاة والسلام لكونها نقيصة منافية للحزم اللائق بأولي العزم ولذلك أجاب عليه
(٣٣)